فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

﴿وَيَتوبُ اللَّهُ عَلى مَن يَشاءُ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ التوبة15

غزة عقيدة

في قلب غزة، حيث تتراقص النيران على أطلال البيوت، وتتلون السماء بألوان الدمار، ينبض إيمان لا ينكسر ولا يخبو. إيمانٌ يتحدى القصف والرعب، ويثبت في وجه الإبادة، كأنما القلوب هناك قد خُلقت من صخر العقيدة، لا تهزها العواصف ولا تقتلعها النكبات. في غزة، لا تُقاس الحياة بعدد الأيام، بل بعدد المواقف، وكل موقف هو آية، وكل آية هي وعد بالنصر، لمن قاتل وصبر، ولمن آمن أن الأمر كله لله.

في ظل صمت العالم، وصراخ القتل الذي يعلو من كل جانب، وقف أهل غزة شامخين، كالجذور الراسخة في أرض الأنبياء. يرفضون نكبة ثالثة، ويعلنون أن الأرض ليست مجرد مأوى، بل امتحان للإيمان، وأن كل قطرة دم هي شاهد على صمود لا يموت. في غزة، لا تُكتب القصص بالحبر، بل بالدم والدمع، ولا تُروى الحكايات بالكلمات، بل بالأجساد التي تصير رموزًا، وبالدبابات التي تتحرك كجبال، وبالمذياع الذي ينبثق كجناح ملاك، يهمس بالأمل وسط الركام، ويوقظ ذاكرة الثورة والصبر.

الآيات القرآنية في وجدان أهل غزة ليست مجرد نصوص، بل عقيدة متجذرة، تُستحضر في لحظات المحنة لتكون دليلًا ومرشدًا. {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ}، {وَيَتوبُ اللَّهُ عَلى مَن يَشاءُ}، {لَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ}، {الأمر كله لله}، كلها عبارات تتردد في القلوب قبل الألسنة، وتُترجم إلى مواقف من الثبات والرفض والاستبسال.

ومع اشتداد القصف، الروبتات المفخخة، وامتداد الأحزمة النارية، والقصف السجادي الذي يسحق كل شيء، تتساقط البيوت، وتتبخر الأرواح، ويُدفن الناس تحت الرماد، بينما النار تحرق الآمنين، وصراخ الموت والإبادة الجماعية يعلو من أفواه قادة العصابات، ويتردد صداه في العالم دون استنكار، ولو خافت. يُطلب من أهل غزة أن يولوا شطر الجنوب، وفريق للأسف خرج إلى مصر تاركاً غزة خلفه، وكأن التهجير صار أمرًا طبيعيًا، وكأن النكبة قدر لا يُرد.

لكن غزة لا تستسلم. صحيح أن كثيرين خرجوا، مثقلين بالخسارة، دون توجيه أو دعم، خاصة بعد خروج المؤسسات الدولية والإغاثية عن الخدمة، لكن مئات الآلاف ثبتوا، وقالوا: {لَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ}. رفضوا تسجيل نكبة ثالثة، وأثبتوا أن غزة والشمال جبهة عصية على الكسر، وأن الثبات ليس مجرد شعار، بل قرار يحتاج إلى من يرعاه ويؤمن له مقوماته.

لا ندين من خرج، يتحمّل المسؤولية لمن غاب عنهم، من مؤسسات محلية ودولية، ومن قيادة لم تقل لهم "اثبتوا". فكل حالة تُقدّر بقدرها، وكل ظرف له اعتباره، كما جاء التعقيب في آيات القتال: {وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ}.

غزة اليوم لا تواجه فقط القصف، بل تواجه مشروعًا للإبادة والتهجير، تُسحق فيه البيوت، وتُحرق فيه الأرواح، ويُطلب من أهلها أن يختاروا بين المجد أو الاستسلام. لكنهم، كما في كل مرة، يختارون المجد، ويكتبون بالدم قصة شعب لا يُهزم. الأغاني الثورية، ابتسامة الجدة، ودموع الفقد، كلها تصير أدوات مقاومة، تُعيد تشكيل الوعي، وتُبقي جذوة الأمل مشتعلة.

في غزة، كل شيء يتحول إلى رمز: الطفل شهيدٌ يُعيد تعريف البطولة، والمذياع صوتٌ للحق، والدبابة جبلٌ يتحرك، والدم بيانٌ لا يُمحى. هناك، لا تُقاس الحياة بطولها، بل بعمقها، ولا تُقاس الأرض بمساحتها، بل بما تحمله من معنى. وغزة، كأرض الأنبياء، تختار المجد بالثبات، وتكتب بالدم والدمع قصة أمل لا يُطفأ.

المصدر / فلسطين أون لاين