فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

{ *ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* }الأنفال53

التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، كما أمرنا الله: لا يتغير حال أمة حتى تغير نفسها. غزة التي نراها اليوم لم تكن إلا طيفًا من الماضي، حيث الفوضى والانحراف كانا سائديْن، والمخدرات والخمور تملأ الطرقات، والاحتلال يتجول فيها بلا رادع. ولكنّ برحمة الله وجهود الدعاة والوعي المتجدد، نشأ جيل التغيير، جيل الثبات والصمود، جيل الأمل الذي صمد في وجه العدوان والحصار، وأعاد بناء الروح الوطنية والإيمانية. من رحم الهزائم ولد صمود الأبطال، ومن حطام الألم نشأت إرادة لا تلين، وها نحن اليوم نعيش فصول معركة التحرير الكبرى، وقلوبنا متيقنة بأن النصر قريب، لا محالة.

التغيير وفق سنن الله تعالى يبدأ من الداخل وتراكمياً: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} الرعد 11. حتى مع رسول الله ﷺ الذي انتقل في محطات الدعوة والمحنة والجهاد والدولة وكابد المشقة والعنت، وانتقل من خطوة إلى خطوة ومن درجة إلى درجة ومن مرحلة إلى مرحلة، حتى كان يوم الفتح وما بعده: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ {1} وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا {2} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} النصر.

عبر نقاط تراكمية تغيرت غزة، ونحن في مرحلة الصبا لم تكن على حالها الذي ترونه ويعرفه العالم اليوم. كانت غريبة حتى عنا نحن آحاد صغار في مبنى متهالك هو مسجد مخيم اللاجئين، والذي لا تكاد تجد فيه إلا رجلًا من كبار السن منهم من يقدمه ملء فراغ ويمارسون ألعاب تسلية، وبعضهم لا يتورع عن تجهيز سجائر والتدخين في المسجد.

وفي رمضان المبارك، لا تكاد تجد صائمًا بل ومجاهرًا بالفطر في الطرقات. لا يغيب عن خاطري مشهد مألوف لشباب الوشم على ذراعه والسلاسل في رقبته ويديه، وفي أماكن رئيسة في المخيم تسمع سب الذات الإلهية. وكان يمكنك أن تجد الحشيش (المخدرات) تباع علنًا، وبعض محلات المواد الغذائية تبيع الخمر علنًا. والنساء لا تكاد تجد سيدة محجبة، بل والمحتل من عصابات يهود يتسوقون في غزة، ومنهم من يزور أصدقاء له من العمال في الأرض المحتلة في بيوتنا المتهالكة في مخيمات اللاجئين وغيرها، ويرى الاحتلال أنه صاحب فضل بتشغيل أبناء فلسطين عمالًا في أرضهم المغتصبة: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ} الشعراء 22.

رويدًا رويدًا تغير المشهد بفضل الله تعالى ومن ثم جهد الدعوة والموعظة الحسنة، فازداد رواد المساجد، وتقلصت مشاهد الإفطار في رمضان، وتوقفت نهائيًا المخدرات والخمور، وانتشر الحجاب، وتعاظمت موجة من الوعي الشرعي، خاصة مع وجود الجامعة الإسلامية الأولى التي تأسست في غزة. ونشأ جيل جديد (جيل التغيير) ولم نعد نرى محتلًا يتسوق في طرقات غزة، خاصة مع عمليات مقاومة محدودة قطعت حضورهم كل سبت.

في سبعينيات القرن الماضي، كان المخيم يتعرض لهجمات قادها المجرم شارون بصفته يرأس القاطع الجنوبي في جيش الاحتلال بملاحقة بقايا مجموعات مقاومة تابعة لجيش التحرير وفصائل المنظمة. فخضع المخيم لحصار ممتد ومنع تجول ومحاصرة وتدمير بيوت، وفتح طرقات وتهجير عدد كبير من أهلنا إلى العريش في سيناء حيث كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي.

حفظنا أسماء شهداء قاوموا المحتل في هذه المرحلة وكنا نزور قبورهم ترحّمًا. وانتهت هذه الجولة بإنهاء ما تبقى من مقاومة، وتحول وجه المخيم. ومع نهاية العدوان على لبنان واحتلال عاصمة عربية ومجزرة صبرا وشاتيلا في 1982، بدا أن فلسطين والمنطقة بل والعالم قد دانت لبني صهيون.

من رحم هذه الهزيمة وُلِد أطفال الحجارة في 1987 ليعاد تشكيل الوعي والمرحلة، واستعادت فلسطين الراية في القدس والضفة وغزة، ودشنت مرحلة جديدة عنوانها الوعي والبناء التراكمي والإرادة ثباتًا على طريق تحرير فلسطين. وتدرجت المراحل نقاط تراكمية في انتفاضة الأقصى والفرقان ووفاء الأحرار والعصف المأكول حتى يوم العبور المجيد في 7 أكتوبر، والآن نحيا تفاصيل يوميات وليالي محرقة سادية لا نظير لها في التاريخ في غزة، وتمتد إلى الضفة لتشكل مخاضًا عسيرًا لمرحلة التحرير وما بعدها التحرير وبناء فلسطين الحرة المستقلة كاملة السيادة: {يَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} الإسراء 51

المصدر / فلسطين أون لاين