فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

*ذلِكُم وَأَنَّ اللَّهَ موهِنُ كَيدِ الكافِرينَ*﴾ الأنفال18

في صمت الليل، حين تسكن الضوضاء وتهمس القلوب بأسرارها، يولد الأمل من رحم الألم، ويتفتح في أعماقنا زهر الصبر. فحتى في أقسى اللحظات، حين تعانقنا الوحدة ونشعر بثقل الجراح، تبقى الروح قادرة على أن تحلق، تحلق نحو نور لا يخبو، نحو غدٍ يحمل وعد الحياة. لا تيأس، فكل شروق هو فرصة جديدة، وكل دمعة تروي بذرة قوة في داخلك. أنت أعمق من كل ضعف، وأقوى من كل عاصفة، وستظل تتقدم بخطى ثابتة، لأن فيك نورًا لا ينطفئ، وحياة تستحق أن تُعاش بكل حب وأمل.

الهزيمة بمئة طعنة عملية تراكمية، وهذا على مدار التاريخ لجميع الظالمين. فهي هزيمة بالنقاط، وكذلك النصر المقابل عملية تراكمية، وعبر النقاط يتحقق أيضًا نصر بمئة طعنة ويتحقق تدريجيًا. توعد الله تعالى الظالمين: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} (الأنفال: 18).

لسنتين كاملتين، عاشت ومازالت غزة بمحرقة مستمرة، قتلت فيها كل شيء في إبادة جماعية واستباحة لكل شيء من بشر وشجر وحجر: {يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} (البقرة: 205). دون أن يتحقق نصر لمحق الظالم، بل عمليات مقاومة مستمرة. ومن نقطة صفر، توقعت عصابات الإبادة بين قتيل وجريح في حرب استنزاف مستمرة. وما زال النتن يبيع الوهم حيث يزعم هزيمة غزة، ولم يحقق فيها أي من أهدافه، ويهرب إلى الأمام بإشعال نار العدوان في لبنان. ومع أيامها الأولى، يعيش نشوة نصر موهوم حين غدر بحزب الله بتفجير البيجر وأجهزة الاتصال الخليوي واغتيال معظم قيادات الصف الأول، وفي مقدمتهم السيد حسن نصر الله. وتبلغ نشوة الاحتفال ذروتها بإعلان إعادة تشكيل الشرق الأوسط وتغيير واقع إيران ومهاجمتها، وكأنني بهم تتجسد فيهم آيات الله تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} (الأعراف: 182).

عصابات الإبادة كغيرها ستلقى حتفها وتصل إلى ذروة العربدة، أنها لا ترى في الشرق الأوسط {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (القصص: 38). ليتكاثر عليه الأعداء وتتعدد جبهات المقاومة وتتسع بقعة الزيت ويكبر الخرق على الراتق الأمريكي، لتلتحق (إسرائيل) إلى قائمة الظالمين الذين سعوا إلى حتفهم المؤكد: {وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (آل عمران: 141).

من ينتصر في غزة؟ سؤال يربك الساسة وأصحاب التحليل والقلم والرأي حتى شركاء حرب الإبادة. (أوستين) يحذر من هزيمة استراتيجية ونصر تكتيكي. رغم دمار مهول ومجازر يومية وإبادة جماعية ومجاعة، وغزة غدت كومة ركام فوقها سحابات غبار لا تنتهي. غزة استدرجت الظالمين وعصابات الإبادة إلى وهم نصر حاسم مزعوم، ولكنها سنة الله الماضية ومشيئته الغالبة: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ} (البقرة: 249).

ومع طول المحرقة، غزة لم ترفع الراية البيضاء ولم تستسلم، ولم يسمع عدوها والعالم الظالم بلغاته المتعددة كلمة تراجع أو انكسار، ولا حتى ندم العواقب. وهذا من العامة قبل أهل الجهاد والمقاومة. بل لا تسمع إلا عبارات ثقة بالله واطمئنان لقدره، ولجوء لعزته، ومعايشة لمعيته، واستحضار لرحمته ولطفه، وترقب بشوق نصره المؤكد وهلاك عصابات الإبادة وزوال زمن الظلمة. مستحضرين وعد الله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (القصص: 5)، {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} (القصص: 6).

ومن حيث مظاهر النصر والنجاح، فلم يتحقق أي منها لعصابات الإبادة. أما ما أصاب غزة وأهلها: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} (آل عمران: 111)، واصطفاء: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء} (آل عمران: 140). وهذه الوقائع والبشريات تحمل النصر الاستراتيجي لغزة ومشروع الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وعودة شعبنا إلى الأرض التي أخرج منها. فقد {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} (المجادلة: 21).

ونحن نرقب وننتظر وعد الله من حيث المنفذ المستحيل للنجاة من الإبادة، وتحقيق وعد الله النافذ: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (القصص: 5). وهتاف الله جل جلاله القوي القهار لغزة ولأهلها: {لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى}(طه: 68).