فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

*﴿إِذ هَمَّت طائِفَتانِ مِنكُم أَن تَفشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنونَ﴾* آل عمران 122

*غزة: اختبار الثبات والصبر*

في قلب غزة، حيث اللهب لا يهدأ والدماء تُنسج على شواطئها، يقف أهلها شامخين على أرض أهديت لهم من الرحمن، متمسكين بالثبات، متشبثين بالصبر، متخذين من نية الرباط درعًا، ومن الإيمان بالقدر سلاحًا. يرفضون النزوح، لا خوفًا من الموت فقط، بل دفاعًا عن المدينة، عن رحمة الله التي لا تغيب، وعن حقهم الذي ينمو في كل حجر، وعن كرامتهم التي لا تُقهر. في كل ذكر، في كل ورد قرآني، وفي كل دعاء، يجد الثابت قوته، ويغرز قدميه في الأرض ليغاظ الكفار، وليثبت الأعداء أن الإرادة الحرة أقوى من كل حصار. غزة بأهلها ودمائها تعلمنا أن الصبر أجره عظيم، وأن الثبات شرف لا يُقاس، وأن النصر قد يسبق هدير الأسلحة بصمت القلوب المؤمنة.

إنها طبيعة البشر أن يُلقى اللوم على الآخرين في أوقات المحن، وهذا يزداد حين تشتعل الأزمات. في نار محرقة غزة التي ابتلعت الأخضر واليابس، ومع شح الموارد {نَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (البقرة 155)، ومع طول المحنة وتعدد أشكالها، تتعدد الآراء وتكثر التلاوم، رغم أن الوقت ليس للوم بل للتكاتف والتوحد.

الذين ثبتهم الله في غزة والشمال في المرحلة الأولى من المحرقة واليوم، لهم فضل عظيم، فهم نقطة حسم في مواجهة خطة التهجير، والدور الرئيس في المقاومة والبقاء. ومع ذلك، لكل فرد ظرفه الخاص كما قال تعالى: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} (آل عمران 122).

في مسار النزوح، يظل الخروج من غزة صعبًا، فكم من أهلها يمتلكون جنسية ثانية، أو فرصة للحصول على فيزا، أو المال لدفع آلاف الدولارات لتأمين الضروريات؟ وكل ذلك يبقى موكولًا إلى حكمة الله عز وجل {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ} (التوبة 15). واليوم، في هذا الاختبار العظيم للثبات، يقف من بقوا رغم امتلاكهم فرص الخروج ووسائل النجاة، متمسكين بأرضهم، صابرين محتسبين، كما وعد الله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} (إبراهيم 27).

النفوس ليست كاملة، كما كان أصحاب رسول الله ﷺ في مواقف مشابهة، فقد عفا الله عنهم {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ … وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} (آل عمران 155). وفي شأن الصحابة: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ … وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} (آل عمران 152). درسٌ لنا أن الصبر والثبات، مهما اختلفت الظروف، هما السبيل.

والثبات عند العدو واجب مقدس، كما أمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الأنفال: 45). القلب المؤمن، المتمسك بذكر الله، قوي كالجبال، لا تهزه النار ولا تهزه المحن، ويغاظ الكفار بثباته، ويصير نصراً قبل أن يكون هزيمة للغزاة.

الثابتون في غزة ليسوا وحدهم، بل هم جزء من معادلة عظيمة، الرباط يعين النفس على الصبر وتحمل المشاق، فثواب الرباط عظيم، وكل خطوة على الأرض تثبت أن الإرادة الحرة لا تُقهر. المجاهدون هم السمك ونحن الماء، فلا حياة للسمك بلا ماء، وقيمة غزة الاستراتيجية تجعلها خط الدفاع الأول، وتركها مكسب للعدو. ومع كل ذلك، رحمة الله حاضرة دائمًا، يقوي الثابتين ويثبتهم.

وسائل الثبات متعددة؛ توفير الماء والطعام عنصر حيوي، والاعتماد على الله الرزاق لا يُخيب، وقراءة القرآن تخرج القلب من ضيق الأزمة إلى رحمة الله، وتذكر الثواب العظيم للصابرين، والدعاء والأذكار تقوي القلب، وتعلّق النفس بالله، والإيمان بالقدر يذكر أن {لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا}، والثابت لا يلقي نفسه للتهلكة بل يتوكل، وتذكر أجر الصبر يُعين على مواجهة الصعاب {ولا تهنوا ولا تحزنوا}، وما يصيب المؤمن من شدائد يُكفّر به من سيئاته.

ابقَ واقفًا، صامدًا، مؤمنًا، فغزة حيّة، إرادتك حيّة، والله معك. الثبات نصرك، الصبر عزمك، والعمل الجماعي قوتك، وفي كل حجر، في كل قلب، وفي كل نفس مؤمنة، يولد النصر قبل هدير الأسلحة، ويثبت الله من ثبتوا على الحق {وَعَلَى اللَّهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنونَ}.

المصدر / فلسطين أون لاين