فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

*﴿يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾* – الرحمن 29

غزة… مدينة الصمود، قلب فلسطين النابض، محروقة بالدم والنار، لكنها لم تُحرق الإيمان في صدور أهلها. دوامة المحرقة تلتهم البيوت والآمال، تحرق الحقول، وتُهلك الحرث والنسل {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} (البقرة: 205)، لكنها لم ولن تُمحِ الإرادة الصلبة، ولم ولن تُطفئ نور الصبر والثبات في نفوس أبنائها.

أهل غزة، رغم الزحف الظلامي للباطل، يرفعون الأكف ملتهبة بالرجاء، يرددون بقلوب لا تنكسر: النصر آتٍ لا محالة. كما انتصر الأنبياء من قبلكم، لا يأس مع الحياة، ولا قنوط مع الفجر. غزة اليوم هي محط الصمود والإيمان، حيث يولد الأمل في رحم المحن، والفرج ينتظر خلف كل عاصفة، لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

كل يوم يمر في غزة هو شهادة، كل لحظة من محنتها درس في الصبر، كل دمعة على وجنتي طفل أو زوجة أو أم، هي صرخة على الظلم، وتحدٍّ لجبروت المعتدي. فحتى وسط الحصار والدمار، يبقى الحق قائمًا {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (القصص: 88). أهل غزة من الاستثناء {إِلَّا الْمُصَلِّينَ} (المعارج: 22)، صامدون ومصلون، يرفعون رايات الإيمان وسط لهيب الظلم.

إنها غزة التي تعلّم العالم معنى الصمود، وتذكّر كل من ينظر إليها أن {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (الشرح: 6)، وأن الفرج يولد مع الكرب، وأن النصر مع الصابرين، {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} (الشعراء: 61)، {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} (الشعراء: 62).

تمامًا كما انتصر إبراهيم عليه السلام حين أُلقي في النار {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} (الأنبياء: 68-69)، هكذا سينتصر أهل غزة، وسيُكتب التاريخ بدمائهم وإيمانهم الذي لا ينكسر.

هذه المحرقة ليست مجرد اختبار، بل هي فرصة، دعوة، نداء لفهم الطريق، واستيضاح المعنى الحقيقي للثبات على العهد {إلا عبادك منهم المخلصون} (الصافات: 100). غزة تصنع تاريخها بأيدي أهلها، بالإيمان، بالصبر، بالصدق، لتظل نورًا للأمة، رسالةً للعالم بأن الحق لا يموت، وأن الصمود يولد الأمل.

في قلب المحرقة، يرفع الغزيون أكف الدعاء، يرددون: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"، ويصبرون ويحتسبون، وقلوبهم معلقة برب الأسباب {أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} (الأعراف: 94).

غزة تعلمنا أن الفرحة قد تولد من رحم الألم، وأن الصبر يمهد الطريق للنصر. كل صرخة طفل، كل دمعة أم، كل جرح أصاب الأبرياء، ليس فقط فاجعة، بل درس، وعبرة، وصرخة في وجه الظلم. كل لحظة صمود، هي فصل في سيرة تاريخية لا تموت.

ستشرق الشمس على غزة، وستُكتب قصة انتصارها، لتضيء دروب التاريخ بدماء الأبطال وإيمانهم الذي لا ينكسر. ولن يغتالها الزمان، لأن الحق باقٍ، والنصر مع الصابرين، والفرج أقرب مما نتوقع {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (الطلاق: 2-3).

غزة اليوم، رمز الصمود الأبدي، درس في الصبر والإيمان، رسالة إلى كل العالم: لا تهزموا الإرادة، ولا تطمسوا النور، فالصابرون هم الذين يصنعون المجد، ويكتبون التاريخ، ويعيدون للأمة مجدها الضائع.

المصدر / فلسطين أون لاين