﴿*إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ*﴾ [الحج: 38]
*جريمة الغدر في الدوحة*
في الدوحة في 9سبتمبر 2025، وقعت محاولة استهداف قيادة حماس، لحظة فارقة في تاريخ الصراع العربي–الصهيوني، لحظة تكشف عن وجوه الغدر والخيانة والقوة السياسية في آن واحد. لم تكن مجرد عملية اغتيال، بل صرخة صادمة في وجه الأخلاق والدبلوماسية، إعلان صارخ لكل أنظمة الهيمنة والغطرسة.
دماء غزة وحماس، قادتها وشهداؤها عبر الأجيال، ليست مجرد حبر على صفحات التاريخ. إنها شعلة صمود وعزيمة، تثبت أن مشروع التحرير خالد لا يموت، وأن القيادة الحقيقية تُقاس بالوفاء لشعبها، لا بالمكان أو الجغرافيا. ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ [آل عمران: 140]. الشهداء ليسوا أسماء، بل رموز حيّة للتضحية والمقاومة، تلهم شعوبًا عربية وإسلامية للوقوف في وجه الغطرسة والإفساد الدولي.
الوصول إلى اجتماع الفريق التفاوضي لم يكن معجزة استخباراتية، بل مزيج من سبعة عشر جهازًا أمنيًا، عشرات الأقمار الصناعية، وشبكات اتصالات مفتوحة، وأجواء عربية مكشوفة للطيران الصهيوني، بينما تصبح ذات الأجواء حائط صد أمام أي مقذوف نحو الأراضي المحتلة. ﴿وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: 112]. درس واضح: مواجهة الاحتلال تحتاج إلى فهم عميق للتهديدات، وتعزيز التنسيق الداخلي، وبناء تحالف عربي استراتيجي متين.
نجاة القيادة عبر ترك الهواتف خارج الاجتماع، رسالة قوية: الأمن الشخصي والسياسي يمكن تحقيقه بحكمة، بتدابير بسيطة ومدروسة، بعيدًا عن التكاليف الباهظة. ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج: 38].
عدوان الاحتلال لم يقتصر على فلسطين، بل شمل ست دول عربية: قطر، تونس، سوريا، لبنان، اليمن، وفلسطين. ﴿لِتُعْلِنَ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 4]. رسالة واضحة: أي وساطة عربية يمكن تقويضها إذا لم تدعمها استراتيجيات دفاعية وإقليمية متكاملة.
الدوحة، صاحبة اليد البيضاء دبلوماسيًا وإنسانيًا، كانت وسيطًا فاعلًا: "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله" هود88. لكن العدوان الغادر أعلن نهاية الدور القطري، وفضح التواطؤ الأمريكي–الإسرائيلي، وأكد هشاشة الوساطات التقليدية.
الولايات المتحدة، شريك في التخطيط ومحتمل في التنفيذ، ﴿وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ [إبراهيم: 46]، أظهرت أن الثقة في الوساطات الأمريكية باتت خطأ استراتيجيًا قاتلًا. الخداع أصبح سياسة ثابتة، مما يفرض على العرب اتخاذ قرارات مستقلة وحاسمة.
الجريمة كشفت عن تهاوي المرجعيات والقانون الدولي أمام غطرسة الاحتلال: ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: 81]. قوة تحالفية واحدة يمكنها تهديد النظام الدولي بأكمله، بينما تظل الأمم المتحدة عاجزة.
غطرسة نتنياهو تثبت أن إعادة الأسرى لن توقف محرقة غزة، بل ستزيدها اشتعالًا: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ﴾ [المائدة: 64]. أمام هذه المخططات، الصمود هو الخيار الوحيد لإنقاذ فلسطين لإنقاذ المنطقة.
اليوم، جريمة الغدر في الدوحة تضع العرب أمام خيارين لا ثالث لهما: الصمود لإنقاذ الأمة، أو الانكسار أمام التهديدات. ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103]. توحيد الصفوف وبناء جبهة عربية متماسكة أصبح ضرورة، مع اعتماد استراتيجيات دفاعية وتحالفات إقليمية واعية.
الجريمة أظهرت تآكل الدور الأمريكي كقطب أحادي، ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [الأعراف: 182-183]. أي تحالف يعتمد على واشنطن وحدها هش، وأي ضمان أمريكي اليوم لا يساوي شيئًا أمام مصالح الاحتلال.
جريمة الدوحة ليست حدثًا عابرًا، بل صرخة واضحة لغدر الاحتلال وتواطؤ حليفه الأمريكي، تحذير صارم لكل العرب: الاصطفاف والصمود أمام الغطرسة واجب، والمقاومة عنوان الحياة.

