فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

"*الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بأموالهم وأنفسهم فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُم أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ"* – الأنفال: 72

أسطول الصمود يبحر إلى وجع الإنسانية

ينطلق أسطول الصمود العالمي في رحلة الحرية، أكبر حراك بحري دولي ضد حصار غزة، محمّلًا بأحلام الشعوب وإرادة الأحرار. اجتمعت نحو 70 سفينة من 44 دولة، ومتوقع أن تلحق بهم بحارة مصر وأصحاب اليخوت والقوارب، لتقول للعالم: غزة ليست وحدها. لقد أصبح البحر ميدان تضامن أممي، والكاميرات والأقلام والوسوم (#أسطول_الصمود #GlobalSumudFlotilla) سلاحًا يشق جدار الحصار.

في قلب البحر، وقف البطل المسؤول عن الأسطول، مخاطبًا أوروبا بصوت يزلزل القلوب، مؤكدًا أن حمولة الشعب ستصل غزة سالمة دون أن يمسّ أحدها خدش. تجسدت روح المقاومة والعدالة، كما تجسّد صمود غزة على أرضها: شامخة، لا تُبدّل، لا تُهزم، لتثبت للعالم أن العزّة والإيمان لا يُستبدلان، وأن الحق سينتصر مهما اشتدت الرياح.

في زمن أُطفئت فيه أنوار الضمير، وتكسّرت فيه مرايا الإنسانية، يبحر أسطول الصمود من أقصى غرب المتوسط. ليس قاربًا عاديًا، بل هو صوت الإنسانية الذي أدار ظهره للعالم الظالم، متجهًا نحو غزة، حاملًا على متنه ما تبقّى من عِزّة الشعوب، شهقة المقهورين، وصرخة المظلومين.

أسطول الصمود لا يحمل سلاحًا، ولا تحرسه غواصات نووية. إنه يحمل الخبز، الدواء، الأمل، والحقيقة التي خجل منها العالم ودفنها تحت رماد الازدواجية. في وجه المدافع يمضي، وفي زمن الطائرات المسيّرة، يركب البحر كأنه يركب الشهادة، حيث يُهاجم مركب من الأسطول بعدوان لإرهاب الجمع الإنساني ومنع وصوله لغزة.

وفوق زبد الموج، يكتب أسطول الصمود للإنسانية نداءه الأخير:

"افتحوا لغزة نوافذ السماء... أو اتركوا البحر لنا!"

ينطلق أسطول الصمود في يوم تنتفض فيه شعوب العالم مع غزة بينما بعض العرب يغرقون في بحر الغثائية. يوم تجف فيه البطون ولا تجف فيه الكاميرات، يوم يتأرجح فيه جسد طفل على سرير المجاعة، ولا تهتز فيه كراسي الأمم. المحرقة لم تعد حكاية تاريخ، بل بث مباشر، والسكين لم تعد مجازًا، بل لحم حي يُذبح كل فجر.

اليوم، أسطول الصمود لا يُبحر وحده؛ خلفه أرواح الشهداء، أيدي الجرحى، أحلام الأسرى، حنين الشتات، وشعوب الإنسانية المنتفضة ضد العنصرية الصهيونية. يبحر وهو يعلم أنّ العواصف قد تبتلعه، لكنه يصرخ بوجه الاحتلال:

"الموت في عرض البحر أهون من حياة تُعدَم كل لحظة داخل قفص الإبادة والمحرقة."

لقد آن للزمن أن ينقلب. آن للعالم أن يرى غزة من البحر، لا من شاشات القتل. آن لقوافل الأحرار ألا تتوقف: لا برًا، لا بحرًا، لا جوًا. فلتُبحر السفن من كل مرفأ، ولتُحلّق الطائرات من كل أرض، ولتسِر القوافل من كل مدينة. كل زاد، وإن قلّ، هو في ميزان غزة وقود حرية، وكل يدٍ تمتد إليها ولو بحفنة قمح، هي يد تهدم جدار الظلم والظلام.

أما أولئك الذين يصمتون، أو يقطعون طريق قوافل الصمود كما فعلوا مع "مادلين" و"حنظلة" و"قافلة الصمود البرية"، فليسوا من ركب أسطول الصمود. فمن أراد إنقاذ غزة، لا يقطع وريدها، بل يُشعل مرفأها.

لقد سقطت أسطورة التسوية كما سقطت أبراج غزة حين فشلت في فتح نافذة واحدة للشعب الفلسطيني على الأمل بـ"حل الدولتين". تهاوت أوراق "أوسلو"، واحترقت خرائط "دولة فلسطينية"، وبقيت الحقيقة واضحة كالشمس: لا سيادة دون مرفأ، ولا حرية دون خط بحري يكسر القيد.

من قال إن البحر حكر على الاحتلال؟ من قال إن غزة وُلدت لتُحاصَر؟ من قال إن الميناء حُلم بعيد؟ لقد انسحب الاحتلال من غزة عام 2005، وقدّم وثيقة رسمية لمجلس الأمن يعلن فيها انتهاء مسؤوليته عن القطاع. فليُفتح البحر إذًا، ولتُكسر قيود الجغرافيا، وليُبحر الغزيون نحو العالم كما يُبحر العالم نحوهم.

حتى يكتمل الحلم، فلنبدأ بالقليل: سفن صغيرة، مراكب جرّ، نقاط تفريغ في عرض البحر، عبّارات مؤقتة... لا يهم كيف، المهم أن نشقّ الموج الأول، أن نُحدث الثغرة في جدار الصمت، وأن يُقال:

"هنا كان الحصار والمحرقة، وهنا ابتدأت الحرية."

ليس مطلوبًا معجزة، بل إصرار. ليس مطلوبًا جيوشًا، بل مواقف. ليس مطلوبًا فتح كل المعابر في لحظة، بل إبقاء باب الأمل مواربًا، بابًا يُدخل ضوءًا إلى غرفة مظلمة منذ 19 سنة. غزة لا تطلب سوى الحياة، لا تطلب سوى أن تفتح نافذتها على البحر، لترى العالم كما يراها.

أسطول الصمود، قوارب الإنسانية، من السائرين في درب الأمل، هو رسول الشعوب، ولعنة الصامتين والمتخاذلين والمتآمرين. فيا بحر غزة… افتح صدرك للحرية، فإن قوارب الصمود قادمة، وإن الصمت سينتهي، وإن الوعد بات قريبًا… قريبًا جدًا.

"والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون"

المصدر / فلسطين أون لاين