فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: 38]

غزة… صمود الأساطير وإسقاط التدمير والتهجير

في غزة، تختصر المأساة كل مفاهيم الألم: حصار خانق، قصف مستمر، مدافع وطائرات تمطر المنازل والخيام، وعربات مفخخة تتفجر في قلب الأحياء، وطائرات مسيرة تبث رسائل تهديد تحاول إرغام السكان على النزوح. هذه هي يوميات المدينة: جحيم لا يتوقف، اختبار لا يلين أمامه إلا الأبطال.

اليوم، غزة تواجه جريمة متجددة باسم "عربيات جدعون 2"، ليست مجرد عدوان عسكري، بل محرقة إبادة تستهدف الإنسان والأرض والتاريخ معًا. الاحتلال يدفع بعرباته الانتحارية ومسيّراته في مشهد من أفظع فصول "الأرض المحروقة"، محاولًا تحويل المدينة إلى ركام، وسكانها إلى أشباح مشردين، وغزة فارغة من أهلها مدفونة تحت الأنقاض. هذه المعركة تتجاوز حدود غزة لتطال الضفة، لبنان، سوريا، مصر، والأردن، وتضع شعوب المنطقة أمام امتحان مصيري: إما أن تنهض لتكسر المخطط، أو أن تُترك لتشهد سقوط الركيزة الأخيرة للكرامة الإنسانية في مواجهة العنصرية النرجسية.

هدف عصابات الإبادة واضح: إبادة غزة وتهجير أهلها قسرًا. لكن كثافة سكان المدينة، وبيوتها المدمرة، وخيامها المزدحمة، ومخيماتها الصامدة، تشكل عقبات كبرى تجعل اجتياحها جحيمًا لا يُطاق، وثمنًا باهظًا يدفعه الاحتلال. فليجعلوا لكل حي دبابة، ولكل بيت مسيّرة، وليأتوا بألوية كاملة، فلن يستطيعوا انتزاع إرادتنا، ولن يُكتب لهم نصر؛ سنرتدي الأكفان ونأوي إلى ركام بيوتنا، نقاوم بحجارتها.

لم يكتفِ الاحتلال بالقصف وحده، بل ابتكر عربات مفخخة جديدة تزن أطنانًا، تستهدف المربعات السكانية والمدنيين بلا رحمة، امتدادًا لجريمة إبادة مستمرة. خلال ثلاثة أسابيع، وثّق استخدام أكثر من 80 عربة، لتصبح غزة مسرحًا لجحيم مفتوح يستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا لوقف هذه الجرائم ومحاسبة الجناة.

وسط أكثر من 51 ألف مبنى وبرج سكني، تهب آلة الإجرام الصهيونية بلا هوادة لسحق الأبراج السكنية، مستهدفة المدنيين العزل ضمن مخطط تهجير ممنهج: "يهلكون الحرث والنسل والله لا يحب الفساد"، وهو ما يرتقي إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية. المزاعم الصهيونية عن وجود نشاطات عسكرية زائفة فشلت في إخفاء الحقيقة: المباني يقطنها المدنيون وحدهم، ومع ذلك تستمر الطائرات والدبابات في القصف، كأنها تريد محو حياة البشر من فوق الأرض، وفرض واقع ديموغرافي جديد بالقوة والنار.

المرحلة الأخطر هي العملية البرية، حيث يقف الاحتلال على أعتاب أصعب مراحل الحرب، بحشد ألوية احتياط وخطط سرية، وضغط على السكان للنزوح جنوبًا لتسهيل التقدم. ومع ذلك، يرفض نحو ثلاثة أرباع السكان النزوح، ليصبح صمودهم أرقى أشكال التحدي، فيما تبقى الضغوط الإقليمية والدولية عاجزة أمام عنصرية المشروع الصهيوني.

وفي رفح المدمرة، تتجلى أبعاد المخطط الإجرامي بالتهجير لشعب كامل من أرضه: بناء معازل وأسوار كالجيتو، حصون بلا قلب، زنزانات مفتوحة للشوارع والمنازل، لإرغام الناس على النزوح واقتلاعهم من جذورهم. لكن أهل غزة، رغم الحصار والدمار، يثبتون على الأرض كجبال لا تُحرّكها المؤامرات، وأرواحهم كالنار التي لا تنطفئ، متحدين آلة القهر، رافضين أن تصبح مدينتهم ملعبًا لتجارب الإبادة والتشريد القسري. كل جدار يبنيه الاحتلال، وكل معزل ينشئه، يزداد صمودهم ثباتًا، ويزيد إيمانهم بالله وعزمهم على مواجهة الخطر حتى آخر نفس، ليبقى الحق والكرامة فوق كل خطة إرهابية.

في السنة الأولى للمحرقة، وقف الاحتلال أمام معضلة: كل نيرانه وضغطه العسكري لم يُفرغ المدينة من أهلها، بل صنع معادلة جديدة. نصف مليون غزي اختاروا الثبات على الأرض فأبطلوا مشروع التهجير الأول، مفضلين مواجهة الموت على الرحيل. الجوع والعطش لم يزحزحهم، بل جمعهم في الأحياء الغربية، لتحوّل غزة من مدينة محاصرة إلى قلعة منيعة.

واليوم، ﴿وإن تتولوا… يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم﴾. فليعلم العدو ومن تراجع عن الصمود أن الله قد وعد بأن يستبدل قوماً غيركم، قومًا يقفون بثبات على الحق، لا يلينون أمام آلة الإبادة، ولا يهابون نار الحصار ولا قسوة القصف. أهل غزة لم يتولوا، بل ثبتوا في بيوتهم، في شوارعهم، في حاراتهم، حاملين الكرامة كراية والدين كمنهج، والحق في أرضهم المقدسة كخيار وحيد.

صامدون رغم دمار البيوت ونزوح البعض ومشاهد الإبادة والتهجير، ليثبتوا أن ما أصابهم ليس إلا امتحانًا من رحمة الله لهم، وأن نهاية المعركة مهما طال الزمن ستكون لمصلحة الصابرين. ستعود ديارهم، وسيعمرونها، وسيبتهج المؤمنون بنصر الله العظيم. فالكرامة والثبات والإيمان هي سلاحهم الأعظم، أقوى من كل جيوش العدو وآلاته الحربية.

ورغم المحرقة السادية والتدمير الشامل والتهجير، يظل الشعب الفلسطيني صامدًا، مدافعًا عن أرضه وحقوقه، متمسكًا بعزته وكرامته، متحديًا الحصار والتدمير، رافضًا الاستسلام أمام آلة الإبادة. وفي هذه اللحظة الحرجة، على المجتمع الدولي والمحكمة الجنائية الدولية والمنظمات الحقوقية إدانة هذه الجرائم وفتح تحقيق عاجل لمحاسبة قادة الاحتلال وضمان حماية المدنيين والبنية التحتية، وتنظيم المزيد من قوافل التضامن على غرار "أسطول الصمود"، وعلى المحيط العربي فتح الحدود لإغاثة غزة وأهلها، وبدرجة أساسية على أهلنا في ضفة النخوة والمقاومة أن تنتفض لتدافع، لا عن غزة وحدها، وإنما لتحمي الضفة من عصابات الاستيطان وغول الضم ومخطط التهجير الذي يطرق بابها.

قلوبنا في غزة عامر باليقين: أن الله كافينا شرهم، وكيدهم مردود عليهم، وأن الفرج آتٍ لا محالة، ليعانق قلوبنا التي أنهكها البلاء، فما زادها إلا صلابة وتوكلاً على وعد ربها الكريم.

المصدر / فلسطين أون لاين