*﴿إِنَّهُم يَرَونَهُ بَعيدًا وَنَراهُ قَريبًا﴾* – المعارج 7
إلى زوال هذا الكيان الغاصب، لا ريب ولا شك!
ها هو يغرق في دمائنا، ويُسحق في وعي العالم كما يُسحق في ميادين البطولة.
لقد سقط قناعه الزائف، وبات عارياً إلا من الجريمة، وصور الدمار تشهد عليه، ووجوه الأطفال الشهداء تحاكمه، وصوت غزة المبحوح في الركام يعلنها:
لا بقاء لمن ذبح وسفك واستعلى، وزمن الظلم قصير مهما طال!
ها هي "إسرائيل" تعود إلى حقيقتها الأولى: عصابات من حديد ونار.
لكن اليوم تُفضح للبشرية، تُلاحقها لعنة الإبادة التي لا يطهرها ماء، ولا يُنقذها تبرير.
تتآكل من الداخل، تتصدع في أساسها، تتفسخ روابطها، وتتهاوى أخلاقيًا واستراتيجيًا.
ويتشكل من حولها طوق خنق دولي يدينها، ويهتف بزوالها، ويُسرّع لحظة النهاية.
الكيان الوظيفي المؤقت لم يعد يُخيف، بل صار يحتاج من يُخيف عنه، وأمريكا، حبله الذي كان يشد أزره، بات يتراخى، حتى يكاد ينقطع.
تذكرة الذهاب بلا عودة حُجزت لمن آمن بأرض الميعاد، فوجدها جحيمًا لا يُطاق.
والجندي الذي جاء بسطوة السلاح، ها هو يفرّ بعيون ممتلئة من رعب المقاومين.
الفلسطيني صار رمزًا أمميًا للمظلوم الذي لا يُقهر، وغزة قِبلة الأحرار، وعنوان النصر، ولو على جماجم الأبرياء.
نحن نكتب التاريخ من جديد، لا كضحايا، بل كأمة تنهض، تكسر قيدها، وتبني زوال الغاصب، كما يُبنى الفجر على وهج الدم، وعلى وعد الله: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ... لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ}.
إلى زوال هذا الكيان الظالم الغارق في دم الفلسطينيين الأبرياء من أطفال ونساء.
لم يعد أكثر من عصابات إجرام وإبادة، وعاد في محرقة غزة إلى سيرته الأولى الظالمة؛ عصابات اشتيرن، أرغون، هاجاناه، بالماخ…
هذه المرة عبر البث المباشر في العالم، بجرائم لا يغسلها ماء الأرض، ولا يستر عورتها كل محاولات الرتق الأمريكي.
صورته تتهاوى في الرأي العام العالمي، وغدًا سيصبح اسم "إسرائيل" مرادفًا للجريمة، والسادية، والنازية، والقتل الجماعي، وسقوط الإنسانية والأخلاق.
العالم، من أقصاه إلى أقصاه، يخرج في كل مدنه ضد شرذمة إبادة وسقوط أخلاقي، مطالبًا بمحاسبتها، ويتشكل رأي عام دولي لم يكن يومًا بهذا الشكل.
أصبح الفلسطيني رمز المظلومية، وغزة عنوان الثبات والبطولة، وأيقونة الصبر والتمسك بالأرض والوطن.
هذا الفداء والبطولة، التمسك بالأرض، حتى حد القتل والإبادة، والسحق حتى إذابة الجسد فداءً للقدس وفلسطين، يؤكد زوال هذا الكيان الغاصب المجرم.
وفي المرحلة الأولى والثانية، سيتشكل متغير مهم في طريق الزوال: تآكل الدعم لعصابات الإبادة، والتي تمثل {حَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ} – آل عمران 112، سر بقاء هذه العصابات حتى اللحظة.
تخيل توقف كل الدعم، وخاصة الأمريكي، وما هو مستقبل هذا الكيان الوظيفي المؤقت!
كيان يتآكل من داخله، يحمل إشارات واضحة على زواله المؤكد والقريب.
مجتمعه متشظٍّ، حد احتمال كبير أن يصل إلى حرب أهلية، كما تحذر كل أقطابه ومفكريه: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} – الحشر 14.
مشهد قتل "رابين" ليس بعيدًا عن الأذهان؛ الأقطاب المختلفة لا تجتمع على شيء، ولا رابط يوحدهم لا في العرق، ولا الدين، ولا اللون، ولا اللغة.
العنصرية الداخلية تمزقهم، والهزيمة النفسية تتعاظم، تدفعهم للخروج سريعًا من أرض السمن والعسل، أرض الميعاد المزعومة، فهي ليست واحة أمن، وهم {لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} – البقرة 96.
مئات الآلاف خلال سنة الطوفان والمحرقة حجزوا تذكرة ذهاب دون عودة.
وزوال آخر بفعل الفساد والإفساد الذي يغرقون به العالم، ويرافقه العلو الذي يعقبه التتبير وجوس الديار.
هذا الإفساد قائم على العنصرية، واستعباد البشرية، والتمييز في العرق والدم والدين: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} – الإسراء 16.
وزوال آخر بفعل جولات الصراع المفتوحة، التي تعددت في جبين هذا الكيان الوظيفي المؤقت.
فقد فقد هيبته ومكانته واعتباره، حتى وصل بفعل طوفان الأقصى ومحرقة غزة وتداعياتها إلى فقدان وزنه الاستراتيجي، وللقيمة المعتبرة، وللوظيفة التي دُشِّن من أجلها، حيث أصبح يحتاج حماية لا حاميًا.
وسيكون هذا الزوال تدريجيًا وفقًا لسنن الله تبارك وتعالى، ومنسجمًا مع قراءة التاريخ في صعود وزوال الأمم: {وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} – آل عمران 141.

