"وأتيناه الحكم صبيًا" مريم 12
أبا عبيدة… أيقونة الحرية
وحدك، يا أمير الإعلاميين، تعلو فوق ركام غزة، تصنع نسيج الأمل، تجمع البطولة وفصل الخطاب، وتحفر فلسطين الحية في قلب كل حر. خرجت لله لتحرر أرضك، واضعًا نصب عينيك شهادة حد الانصهار في سبيل الله وعلى طريق القدس، لترسم طريق النصر، وتغرس في القلوب اليقين بأن التحرير قادم لا محالة.
من المحراب شابًا انطلقت، فارس الكلمة والكاميرا، وقطار دمك حمل صور المجد، يوثق سقوط بيت العنكبوت، ويكتب التاريخ بالدم: "وكَم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله". فارس الإعلام، منارة حجبت الظلام وأنارت دروب القضية، كتب تاريخ فلسطين الصادق، ليكون نورًا للأجيال القادمة.
تمنطقت النور وصدق البيان، تجاوزت المكان والزمان، فأصبحت أيقونة الحرية، شامخًا كعلم لا يسقط، يحاصر الأوغاد بالكلمة والصورة، ويكتب نورًا على كل زقاق، ليكون درسًا للأمة بأن طريق القدس مفروش بالصبر والصدق، والشهادة كتاب مؤجل بيد الله. العظماء لا يرحلون، بل يورّثون الرواية، ويتركون الوطن منارة لا تنطفئ على فجر التحرير المنتظر.
أبا عبيدة لم يكن مجرد اسم أو ناطق، بل كان شعبًا في شاب واحد؛ عاش مخيم جباليا الثورة على سيرة عماد عقل، وقلبه يسبح فلسطين من رفح إلى الناقورة، رمزًا خالدًا لشعب عظيم. هدير صوته ونبض كلماته كان بوصلة الحائرين في بحر من أمة متعثرة، حاملًا مشروعًا لا يساوم ورؤية لا تنكسر. تخرج من مدرسة الإعلام المقاوم، وحوّلته قيادة المنعطفات الحاسمة من مجرد رد فعل إلى مشروع سردية سبّاقة مبدعة، جامعًا بين الوعي والثورة والكاريزما، ثابتًا على الأصول لا يبدل ولا يتراجع، عاش فلسطين جرحًا وأملًا ومصيرًا، وفارسًا أيقونة، ملتحقًا بقافلة الطائفة المنصورة، شاهداً على أن الكبار لا يموتون ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾.
أنت الانفجار في وجه الطغيان، الصعود في زمن الانكسار، الضوء الذي يكشف الزيف، والصوت الذي يهز الضمائر الغافية. معركتك الإعلامية لم تكن سهلة، بل كانت اختبارًا للصدق والثبات، حيث ثبت في محرقة النار والجوع بقلب لا يلين، وواجهت جيشًا من سحرة فرعون وأصحاب رواية التضليل الإعلامي، مدججين بالتزييف والإفك.
في زمن ضاقت فيه الأرض بما رحبت وسقطت الأقنعة عن وجوه كثيرة، برز أبا عبيدة كجبل شامخ، كالضياء الذي لا يخبو، يكتب تاريخ الأمة؛ من أنفاق الصبر خرج لا يطلب إلا وعد الله الحق، عارفًا أن طريق القدس مفروش بالألم لا بالورود. قضى منهم من قضى، وبقي منهم من ينتظر، ولم يبدلوا تبديلاً، رهبان بالليل وفرسان بالنهار، الطائفة المنصورة التي لا تهزها خيانات ولا لأواء، يرتقون شهداء بأشلاء ممزقة وأجساد ذائبة، لكن أرواحهم تعلو فوق الركام لتصبح منارات للأمة، وصرخاتهم ترتفع في علياء السماء: "يا رب خذ من دمنا وأهلنا حتى ترضى". أبا عبيدة، أيقونة العالم وجسر التحرير، كتب الله أن يكون من سعداء الآخرة وسادة الدنيا، حتى يكتمل الوعد ويشرق فجر التحرير ﴿أليس الصبح بقريب﴾.
أبا عبيدة يسقط سردية امتدت قرنًا كاملًا؛ منذ الاحتلال البريطاني والنكبة عام 1948، مرورًا برعاية أمريكا لجرائم الاحتلال، وصولًا إلى المحرقة. الشعب الفلسطيني يواجه التهجير والإبادة والصمت الدولي المخزي، وما جرى في 7 أكتوبر لم يكن بداية الحكاية، بل محطة في مسار مقاومة طويل، يكشف للعالم جرائم الاحتلال، ويسقط سرديته الزائفة، ليعلو صوت العدالة، ويثبت أن ما يُرتكب في غزة نكبة حية، وأن انتصار الإرادة الفلسطينية حتمي: {وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ}.
أيقونة الحرية وسيد الكلمة وفارس الصورة، سنستلهم منك ما نشاء، ونقطف من أشجارك دروس الشجاعة لأطفالنا، وننقش أسمك على صدورهم، ونروي لهم حكايات أسطورية لرجل صدق، حتى لا يخبو حنين التحرير في فطرتهم. صورتك المنثورة في مدائننا وسواحلنا تحرس قباب الأقصى وتشهر إيمانها في وجه الطغيان، منارات ضياء لا تنكسر، صاعدة على ممرات نورانية نحو مشارف الجنة، حيث يُؤذن للواقفين: "ادخلوها خالدين". فلسطين تتوشح بكم، فسلام عليك أيها القمر المنير، سلام يا بصمة الروح الثائرة، سلام أيها الفارس الأيقونة. فلسطين جريحة، لكنها بأمثالكم لا ترتعش، لن تبكي وحيدة، ولن تغرق في البحر، بل ستصنعه، وتظل شامخة، حية، نابضة بالأمل، مهما اشتدت الظلمات.

