فلسطين أون لاين

"غزَّة تغير المزاج الأمريكي"

خبيران: صور الحرب وكشف الحقائق لعبت دورًا حاسمًا في تبدل الرأي العام الأمريكي

...
خبيران: صور الحرب وكشف الحقائق لعبت دورا حاسما في تبدل الرأي العام الأمريكي
غزة- واشنطن/ علي البطة

يكشف استطلاع حديث للرأي في الولايات المتحدة الأمريكية عن تحول غير مسبوق في الموقف الشعبي الأميركي من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث بدأت السردية الفلسطينية تفرض حضورها على حساب الرواية الصهيونية. هذا التحول يفتح باب التساؤل هل يمكن أن يغير السياسة الأميركية فعليا؟

استطلاع جامعة "كوينيبياك" الذي أجرته نهاية أغسطس/آب الماضي، أظهر نقطة تحول فارقة في وعي الناخب الأميركي، فلأول مرة منذ عام 2001، يتقدم التعاطف مع الفلسطينيين على حساب (إسرائيل)، ويرى 50% من الأميركيين أن ما تفعله (إسرائيل) في قطاع غزة يشكل إبادة جماعية.

هذه الأرقام لا تعكس فقط رأيا سياسيا بل تصدعا أخلاقيا في شرعية الاحتلال، وفق خبراء.

سقوط للسردية الصهيونية

ويرى د. علاء أبو عامر خبير العلاقات الدولية والشؤون السياسية، أن هذا التحول لم يكن نتيجة ضعف الرواية الإسرائيلية فحسب، بل بفعل وعي تراكمي بدأ يكسر احتكار الصهيونية للمشهد الإعلامي والثقافي في الغرب.

ويضيف في حديثه لـ "فلسطين أون لاين"، أن ما يجري اليوم هو زلزال في الوعي الغربي، وستكون له ارتداداته طويلة الأمد على مجمل الصراع، ليس فقط إعلاميا بل سياسيا وثقافيا.

بحسب أبو عامر، لا يعود تغييب القضية الفلسطينية لعجز الفلسطينيين عن إيصال صوتهم، بل للقوة الهائلة للوبيات الصهيونية وتواطؤ النخب الغربية. لكنه يؤكد أن هذا النفوذ بدأ يتآكل مع صعود وسائل الإعلام البديلة والتوثيق الشعبي المباشر.

من التوثيق إلى التأثير

ويدعو أبو عامر إلى الانتقال من سرد المأساة إلى هندسة التأثير، عبر استثمار أدوات العصر – التوثيق الرقمي، وسائل التواصل، الإعلام البديل – لبناء حالة رأي عالمي داعمة لا يمكن للأنظمة الغربية تجاهلها.

ويؤكد أن هذا التحول لن يترجم إلى تغيير سياسي إلا إذا ترافق مع عمل فلسطيني منهجي قادر على تحويل الموجة الشعبية إلى ضغط منظم وذكي.

من جانبه، يرى د. نعيم الريان خبير الشؤون السياسية والأمريكية، أن التحول في الرأي العام الأميركي هو نتاج تراكمي لتجارب سابقة، لكنه اليوم بلغ ذروته بفعل الوحشية المفرطة للعدوان على غزة.

ويؤكد الريان لـ "فلسطين أون لاين"، أن جيل الشباب، خاصة في الجامعات، هو المحرك الأساس لهذا التحول، في ما يشبه لحظة "فيتنام جديدة" في الوعي الأميركي.

ويشير إلى أن ما أحدث الفارق هو "انكشاف الصورة الحقيقية للاحتلال أمام مواطن أميركي عاش طويلا تحت سطوة إعلام منحاز وطبقة سياسية رهينة المال السياسي الموالي لإسرائيل".

انقسام حزبي وفجوة سياسية

رغم التحول الشعبي، تظهر الاستطلاعات انقساما حزبيا حادا، إذ غالبية الديمقراطيين والمستقلين ينتقدون إسرائيل بشدة، بينما لا يزال الجمهوريون يدعمونها. هذا يبرز فجوة واضحة بين الرأي العام والمؤسسة السياسية، التي لا تزال تحكمها معادلات قديمة.

ويرى الريان أن المؤسسة الحاكمة الأميركية ما زالت مرتبطة عضويا بشبكات النفوذ الصهيونية، لكنه يؤكد أن "هذا الواقع ليس ثابتا"، خصوصا مع صعود قوى شعبية وتنظيمات جديدة قد تحدث اختراقا في السنوات القادمة.

وسائل التواصل.. سلاح فعال

يتفق الخبيران على أن أدوات العصر لعبت دورا حاسما في كسر الهيمنة الإعلامية التقليدية. صور المجازر والبث المباشر من غزة قلبت المزاج الشعبي، وجعلت الرواية الفلسطينية أكثر مصداقية وتأثيرا من رواية الاحتلال المصقولة.

ويرى أبو عامر أن، الاحتلال لم يعد قادرا على إخفاء جرائمه خلف عناوين براقة، فيما يعتبر الريان أن هذه لحظة فارقة لا بد من تثبيتها عبر عمل سياسي وشعبي متواصل.

هل يخسر الاحتلال ركيزته الأميركية؟

المخاوف الإسرائيلية باتت علنية، فقد حذرت وسائل إعلام إسرائيلية من التحول الأخطر في التاريخ الحديث للوعي الأميركي تجاه (إسرائيل)، خاصة وأن تراجع الدعم الشعبي قد يترجم يوما إلى ضغوط على صناع القرار في واشنطن.

ويقول الخبيران، إن التحول حقيقي، لكنه يحتاج وقتا ليتحول إلى قرار سياسي، ويضيفا أن، إسرائيل ستشعر بالرعب حين تظهر على الساحة الأميركية نخب سياسية تتبنى خطابا جديدا لا يستمد شرعيته من "إيباك"، بل من الشارع الأميركي نفسه.

التحول في الرأي العام الأميركي ليس حدثا عابرا، بل هو مسار بدأ ولن يتوقف. لكنه أيضا فرصة تاريخية تتطلب من الفلسطينيين والعرب العمل بذكاء لا بردات فعل، خصوصا بعدما باتت السردية الفلسطينية حاضرة في الوعي، والمطلوب الآن تثبيتها وترجمتها إلى فعل سياسي مؤثر.

المصدر / فلسطين أون لاين