فلسطين أون لاين

خبيران: استبعاد بلير يُبرز تصدع التدخل الدولي أمام الواقع الغزي

...
رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير
غزة/ علي البطة

يعود اسم توني بلير إلى الواجهة مجددا، وهذه المرة من بوابة الاستبعاد لا الترشيح، فالرجل الذي شغل منصب رئيس الوزراء البريطاني سنوات، ثم تنقل بين أدوار الوساطة والاستشارات الدولية، يجد نفسه الآن خارج لائحة الانضمام لمجلس إدارة غزة الذي تسعى الولايات المتحدة لتشكيله. هذا التحول لا يعكس قرارا إجرائيا فحسب، بل يحمل دلالات سياسية عميقة بشأن طبيعة المرحلة المقبلة في القطاع.

الخبر الذي نشرته "فايننشال تايمز" البريطانية، أكد أن بلير أُسقط من قائمة المرشحين بعد اعتراضات عربية وإسلامية، وقد جاء ليكشف عن حدود الدور الذي يمكن للشخصيات الغربية لعبه في إعادة صياغة مستقبل غزة، خاصة تلك المرتبطة بملفات أثارت ندوبا لم تلتئم بعد في الوعي العربي.

الباحث في الشؤون السياسية بهاء شعت، يوضح أن المرحلة الأولى من "وقف إطلاق النار" شارفت على نهايتها، وأن دولة الاحتلال الإسرائيلي لا تزال تضع العراقيل أمام الانتقال إلى مرحلة التفاوض الفعلي، رغم تأكيدات واشنطن بقرب تشكيل مجلس إدارة لغزة. ضمن هذا الإطار، طرح اسم بلير، لكن المعارضة التي واجهها كانت أقوى من أن تتجاهل.

مواقف مؤثرة

يشير شعت لـ "فلسطين أون لاين" إلى أن رفض ترشيح بلير ارتبط بعوامل عدة، أهمها مواقف دول عربية وإسلامية مؤثرة، إضافة إلى موقف المكونات الفلسطينية التي لم تبد حماسة لوجوده ضمن أي إطار إداري يمس مستقبل القطاع. فالرجل يحمل إرثا مثيرا للجدل أثر مباشرة في صورة دوره المحتمل.

من أهم الأسباب التي يعرضها شعت أيضا الدور السلبي الذي لعبه بلير في غزو العراق عام 2003، حين كان أحد أبرز الداعمين للرئيس الأميركي جورج بوش. هذه المشاركة ما زالت تعد جرحا مفتوحا في الذاكرة العربية، وتؤدي تلقائيا إلى التشكيك بأي دور جديد قد يتولاه في المنطقة.

ولا يتوقف الأمر عند العراق، فالمسار السياسي لبلير بعد مغادرته رئاسة الحكومة تخللته ارتباطات واستشارات مع حكومات وشركات في ملفات أفغانستان وغيرها، ما عزز صورته كشخصية تعمل وفق مصالح غربية لا تتوافق غالبا مع تطلعات الشعوب العربية.

من ناحية أخرى، ترى أستاذة العلوم السياسية والقانونية في باريس د. لينا الطبال، أن استبعاد بلير يرتبط بحساسية عالية تجاه أي حضور غربي مباشر في إدارة غزة. فالرأي العام الفلسطيني، كما تقول، ينظر إلى بلير باعتباره شخصية غير محايدة وتمثل مصالح خارجية.

وتوضح الطبال لـ"فلسطين أون لاين"، أن الخلافات لم تكن فلسطينية وعربية فقط، بل إن الأطراف الدولية نفسها لم تتوافق على هوية الشخصية الأمثل لإدارة غزة. بعض الدول الغربية رأت في بلير مرشحا منسجما مع خططها، بينما عارضت أطراف إقليمية بروز شخصية قد تزيد الاحتكاك السياسي بدلا من تخفيفه.

غياب بلير، كما تشير الطبال، يفتح الباب أمام نموذج إدارة أكثر توازنا، يتيح للأطراف الإقليمية مساحة أوسع في صياغة مستقبل القطاع، ويخفف مركزية القرار الدولي الذي سبق أن أثار اعتراضات شديدة.

هذا التوازن الجديد قد يمنح غزة فرصة لإدارة أكثر قبولا لدى سكانها، وأكثر انسجاما مع محيطها العربي، بعيدا عن الضغوط السياسية المتشابكة التي عادة ما تفرضها الشخصيات الغربية الوازنة.

فهم الواقع الغزي

في السياق ذاته، يرى شعت أن البدائل موجودة فعلا، وأن أسماء عديدة ستطرح على الطاولة في الفترة المقبلة، سواء من شخصيات دولية ذات مواقف أقل جدلية، أو من شخصيات عربية تعد أكثر قدرة على التواصل مع الواقع الغزي.

ويشير إلى أن المرحلة الثانية من خطة وقف إطلاق النار باتت قريبة، وأن الاستقرار في غزة بعد الحرب سيعتمد على قدرة القوى الدولية والعربية على الاتفاق حول شكل الإدارة، خاصة مع الحديث عن دخول القوات الدولية في بدايات العام المقبل.

أما الطبال، فتركز على أن البديل الأكثر قبولا يتمثل في مسار فلسطيني–إقليمي مشترك، تشارك فيه مصر والأردن ودول عربية معنية بشكل مباشر بملف غزة. هذا المسار، وفق رؤيتها، يعزز الشرعية، ويقلل فرص الاحتكاك مع القوى الدولية.

وترى أن اختيار شخصية بديلة أقل إثارة للجدل سيكون خيارا طبيعيا، خصوصا إذا كانت مقبولة فلسطينيا ويمكنها إدارة حوار مع مختلف القوى على الأرض، دون أن تستقبل برفض مسبق كما حدث مع بلير.

ما يميز هذا التحول - وفق الخبراء- أن الأطراف الدولية بدأت تدرك بوضوح أن إدارة غزة لا يمكن أن تتم عبر قرارات فوقية، وأن أي شخصية توضع في الواجهة يجب أن تمتلك قدرا من الحياد والمرونة السياسية، إضافة إلى قبول شعبي.

من ناحية أخرى، قد يشكل استبعاد بلير فرصة لإعادة صياغة مشروع الإدارة ككل، بحيث لا يكون قائما على هيمنة دولة بعينها، بل على شراكة متعددة الأطراف تعكس مصالح الفلسطينيين قبل غيرهم.

وبحسب معظم المعطيات، تبدو الخيارات المقبلة مفتوحة: إما التوجه نحو شخصية دولية توافقية، أو اعتماد صيغة إقليمية–فلسطينية أكثر استقلالا. وفي كلا الحالتين، سيبقى معيار القبول الشعبي عاملا حاسما في نجاح أي إدارة جديدة، بحسب الطبال وشعت.

في المحصلة، يمكن القول إن إخراج توني بلير من المشهد ليس مجرد تعديل في قائمة أسماء، بل تحول سياسي يعكس إدراكا متزايدا بأن غزة ليست ساحة لتجربة الأدوار الغربية مجددا، وأن المرحلة المقبلة تتطلب حساسية عالية في تحديد من سيشارك في رسم مستقبلها.

المصدر / فلسطين أون لاين