لست سعيدا بتنظيم حركة فتح احتفالين لإحياء ذكرى استشهاد الرئيس ياسر عرفات، ما يؤشر على استمرار حالة الخلاف والتشظي في الحركة، وعدم قدرة قيادتها على تجميع أبناء التنظيم وتصليب الصف الداخلي لمواجهة تحديات كبيرة قائمة سواء على مستوى الحركة أو المستوى الوطني والسياسي.
ولعل من عجائب السياسة أن إحياء فتح لذكرى رحيل "أبو عمار" جاء في إطار المناكفات السياسية مع حركة حماس بعد عام 2007 ، فلم يسبق للحركة أن أحيت الذكرى قبل حدوث الانقسام ، ربما لأن إحياء الذكرى يتطلب إجابات شافية وواضحة لم تستطع قيادة فتح الإجابة عنها حتى الآن رغم عديد لجان التحقيق ؟!!.
اتفقت أو اختلفت مع عرفات لكنه مدرسة سياسية خاصة - لم تتكرر فلسطينيا على الأقل - لم يسقط أي خيار في التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي من السياسة والتفاوض أو الانتفاضة والمقاومة ، وتمكن من قيادة الشعب الفلسطيني عقودا طويلة يناور ويكافح الاحتلال حتى وصل إلى قناعة أن "إسرائيل " لن تعطي شعبنا حقا أو أرضا، ورفض التوقيع على ما يسمى إنهاء الصراع فكان القتل مصيره !!.
شعبنا يدرك في الوعي واللاوعي أن "إسرائيل" هي من قتل "أبو عمار" ، لكنه لا زال يبحث عن الإجابة عن السؤال الكبير: من القاتل الحقيقي ؟؟ من الذي سهل لإسرائيل الوصول إليه ؟، تصريحات كثيرة أطلقها الرئيس أبو مازن وتوفيق الطيراوي وغيرهم عن معرفة القتلة ، وأعلنوا مواعيد للكشف عنهم لكنهم لم يفعلوها !! .
هل هناك قرار دولي أو عربي أو فلسطيني بإغلاق ملف اغتيال عرفات ؟ أم أن الخشية هي من زيادة التشرذم والضياع إذا ما كشف عن المتورطين بالجريمة ؟ أم ربما تمت تصفية من نفذوا الجريمة أو تم تهريبهم إلى الخارج ؟ أم أن الكشف عنهم سيحدث خلافات داخلية أو إقليمية عاصفة ؟ أو البعض تنقصه الشجاعة لإعلان نتائج التحقيق ؟ أم يوجد شركاء في الجريمة كل منهم يتربص بالآخر ؟ أو ربما الاحتلال يريد الحفاظ على جواسيسه ؟!! أسئلة وطنية تنتظر الإجابة .
إن حق كل فلسطيني على رئاسته وحكومته ، وحق كل فتحاوي على قيادته أن تعلن وبكل شفافية عن نتائج التحقيق وأسماء المتورطين في الجريمة مهما علا شأنهم ، فمن حق الجميع أن يعرف ماذا حدث؟ ومن؟ وكيف ؟ ولماذا؟ ، ومن المعيب استخدام ملف التحقيق في المناكفات الشخصية والمصلحية للزعامات أو النيل والطعن في بعضنا، أو خدمة توجهات سياسية وذاتية معينة ، الجميع يريد الحقيقة والحقيقة فقط .
ويبدو أن جهات عدة تراهن على الوقت في نسيان القضية ، فإنهاك الفلسطيني في البحث عن لقمة العيش ، وتسارع الأحداث من حولنا ، وتبدل الأولويات من القضايا الوطنية إلى الشؤون الحياتية ، وشيوع الفوضى في العالم العربي ، وإثارة الحروب في الإقليم ، جميعها مؤثرات على كل حر لنسيان دم ياسر عرفات وإبقاء الأمر غامضا لعل الناس تنسى !!.
إن تكريم "الختيار" وإحياء ذكراه هو بالتمسك بالحقوق والثوابت ونهج الوحدة الوطنية والعمل الثوري ، وتوحيد حركة فتح وإنهاء الانقسام داخلها ، وكذلك بكشف لغز غياب بل تغييب "أبو عمار" ، وتقديم قتلته لمحاكمة علنية عادلة .