فلسطين أون لاين

تقرير في غزة المحاصرة.. المرضى يواجهون العجز والظلام بسبب نقص الأدوية

...
في غزة المحاصرة.. المرضى يواجهون العجز والظلام بسبب نقص الأدوية
غزة/ عبد الله التركماني:

في غرفة صغيرة يغمرها ضوء خافت بحي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، يجلس خالد الهاشمي (72 عامًا) على كرسي خشبي قديم، يضع يده المرتجفة على عينه اليمنى المصابة بالتهاب حاد في القرنية. يقول الهاشمي لصحيفة فلسطين: "كنت أظن أنني سأموت بقصف أو رصاصة.. لم أتخيل يومًا أن بصري سيضيع لأن الاحتلال يمنع عنا الدواء".

الهاشمي، الذي عمل معلمًا للغة العربية قبل تقاعده، بدأ يعاني منذ أسابيع حرقة شديدة واحمرارًا في عينه اليمنى. الطبيب أخبره أنه بحاجة عاجلة إلى مضاد حيوي للسيطرة على الالتهاب ومنع تلف القرنية، لكن رحلته للبحث عن العلاج تحولت إلى معاناة جديدة: "ذهبت إلى سبع صيدليات في الشيخ رضوان ومدينة غزة، وكلهم أجابوني بنفس الكلمات: (الدواء مش موجود، خلص). كنت أخرج في كل مرة وأنا أرى الدنيا حولي تزداد ضبابية.. أشعر أن بصري ينسحب مني ببطء".

إلى جواره يجلس حفيده الصغير، يقترب منه ويسأله ببراءة: "سيدي، هل ستظل تراني؟"، فيشيح الهاشمي بوجهه محاولًا إخفاء دموعه: "كيف أجيب؟ أنا نفسي لا أعرف إن كنت سأرى وجهه غدًا".

زوجته، أم سامي، تصف ليالي الألم: "يصحو خالد فجأة وهو يصرخ من شدة الوجع، يقول لي إن عينه كالنار تلتهمه من الداخل. لا أملك سوى أن أضع له كمادات ماء بارد. أخشى أن يفتح عينيه يومًا ولا يرى شيئًا.. هذا أسوأ من الموت".

يحاول الهاشمي التحدث بهدوء، لكن صوته ينكسر: "أنا رجل عجوز، لا أطلب الكثير.. فقط قطرة دواء تحفظ لي بصري، كي أرى آخر ما تبقى لي في هذه الحياة. أريد أن أرى وجوه أولادي وأحفادي قبل أن ينطفئ النور".

ويضيف بمرارة: "حتى لو كان عندي مال، لا فائدة.. الأدوية غير موجودة أصلًا. أصبحنا في زمن لا تنقذنا فيه الأموال ولا الدعاء، بل فقط المعجزة".

ورغم الألم، يتمسك خالد بكرامته: "يقولون لنا: انزحوا جنوبًا.. لكن لماذا أترك بيتي وأنا لم أجد حتى قطرة دواء؟ أصر على البقاء هنا. إن أخذ الاحتلال بصري أو حياتي، فليأخذها وأنا في غزة، لا وأنا نازح مشرّد".

مع كل يوم يمر بلا علاج، يتراجع بصر الهاشمي أكثر. يرفع يده إلى السماء وهو يتمتم: "اللهم لا تحرمني أن أرى وجه حفيدي آخر مرة.. هذا كل ما أريده".

الشلل يهدد الطفلة لين

في الطابق الثاني من مستشفى المعمداني وسط غزة، ترقد الطفلة لين اليازجي (10 أعوام) على سرير أبيض تحيط به أجهزة بسيطة. ساقاها ممدودتان بلا حركة تقريبًا، ووجهها البريء يتجعد من شدة الألم. تقول بصوت متقطع لصحيفة فلسطين: "الطبيب قال لي: إذا لم أحصل على الدواء.. لن أستطيع المشي بعد الآن".

لين تعاني منذ أسابيع التهابًا حادًا في الحبل الشوكي يضغط على أعصابها ويهدد قدرتها على الحركة. الأطباء أكدوا أنها بحاجة عاجلة إلى دواء خاص بالتهابات الجهاز العصبي، لكن هذا الدواء لم يدخل إلى غزة منذ أشهر.

والدها، أبو ياسر، يقف بجوار سريرها محاولًا إخفاء ارتجاف صوته: "بحثت في كل صيدلية ومستودع، طرقت أبواب الأطباء، لجأت إلى معارفي.. لكن لا شيء. الدواء ممنوع من الدخول. كيف أشرح لطفلة في العاشرة أن مستقبلها، أن خطواتها القادمة، رهينة بحصار خانق؟".

لين، التي كانت حتى وقت قريب تحب الجري واللعب، تقول بحزن: "كنت ألعب (الغميضة) مع صديقاتي.. الآن لا أستطيع حتى أن أقف. قدماي ثقيلتان كأنهما حجران مربوطان بي".

والدتها تجلس قرب رأسها، تضع يدها على جبينها والدموع في عينيها: "أخبرونا أن هناك فرصة لإخراجها للعلاج في الخارج. عشنا على هذا الأمل، لكن الأسابيع تمر ولا جديد. أشعر أن الوقت ينفد، وأن ابنتي تفقد مستقبلها أمامي وأنا عاجزة".

لين تقاطعها بصوت طفولي يملؤه الخوف: "أريد فقط أن أعود أمشي.. أريد أن أذهب مدرستي وألعب مع صديقاتي. لماذا لا يسمحون لي بالدواء؟ هل أنا فعلت شيئًا؟".

كارثة غير مسبوقة

بدوره، يقول زاهر الوحيدي، مدير وحدة المعلومات الصحية بوزارة الصحة في غزة، إن القطاع يعيش "كارثة إنسانية غير مسبوقة"، موضحًا أن 47% من قائمة الأدوية الأساسية في مخزون الوزارة رصيدها صفر، في وقت لم يدخل فيه أي جهاز طبي جديد منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، "فلا يتوفر في غزة أي جهاز رنين مغناطيسي ولا أجهزة أشعة مقطعية".

وأشار الوحيدي لصحيفة "فلسطين" إلى أن النقص لا يقتصر على الدواء، بل يشمل الوقود أيضًا، حيث "ما يصلنا لا يغطي أكثر من 48 ساعة فقط، ما يهدد بتوقف المستشفيات عن العمل نهائيًا"، لافتًا إلى وجود 260 طفلًا يحتاجون إلى مكملات غذائية مهددين بفقدان حياتهم بسبب نقص الغذاء والدواء.

وختم الوحيدي بالتأكيد على أن ما يجري في غزة "ليس مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل حرب تجويع ممنهجة تستهدف السكان وتدفعهم نحو الموت البطيء".

المصدر / فلسطين أون لاين