فلسطين أون لاين

​اليوم تبوح "البهية" أن التعلّق تغيّر

...
كتبت- هديل عطا الله

كتبت- هديل عطا الله

هو وأنا ماهر الهشلمون وبهية النتشة الآن ندخل عامنا الرابع في الفراق، في مثل هذا اليوم لأجل "عيون القدس" نفذ ماهر عملية طعنٍ قرب مجمع (عتصيون) الاستيطاني، أدت إلى مقتل مستوطنةٍ إسرائيلية وإصابة اثنين آخرين، ليُحكم عليه بمؤبدين.

لقطاتٌ لا تحصى من حياتنا يمكن أن تندرج في خانتي "ما قبل" و"ما بعد"، أصغر التفاصيل _مثلًا_ يوم الجمعة، جعله الله يومًا مباركًا لماهر ولكل أسرى فلسطين، كان مقدسًا عندي وعنده، حتى إنه مر وقت طويل قبل أن أستوعب أن ماهر لم يعد بيننا، وأننا لن نقوم بالأنشطة المعتادة في العطلة الأسبوعية، كأن تجتمع العائلة كلها، لاسيما أنه يوم تفوح فيه "طبخاتي الشهية"، لكن بعد أن انتقلت إلى السكن عند عائلتي أصبح كأي يوم آخر، وعدتُ نفسي أنه مهما طال غيابه فسيبقى "كهف الجُمع" نورنا الذي لا يتبدد؛ كيف لا والرجل الذي اعتاد مخاطبتي بــ"يا شقّ ثوبي" كلما رآه رفاقه في السجن يبكي في أثناء تضرعه بالدعاء قالوا له: "على رسلك يا ماهر"؟!

تمنياتٌ دافئة في هذا اليوم أطيرها إلى زوجات الأسرى، إلى المتفائلات ولديهن من اليقين والصبر والإيمان بالقضية ما يكفي لمنح القوة للأخريات، وإلى حبيبات الكآبة والشكوى، وإلى صنفٍ ثالث غريب بعض الشيء، هن نساء يظهر تفاؤلهن في "المنشورات" على مواقع التواصل الاجتماعي وحسب، يبدون من الخارج صابرات صامدات، لكن أفعالهن تقول العكس.

سأبوح بسرٍّ أول مرةٍ أفصح عنه، حين يمازحني أقرب الناس إلي: "بكرة بطلع ماهر وبتزوج عليك" أشعر أن دقات قلبي تتسارع، بسبب النصف الأول من الجملة، لأني موقنة أنه "بكرة بطلع ماهر"، أما النصف الثاني فلابد من وقفة.

ثمة شيء تغير في بهية، لقد تعلمت في تلك السنوات أن أحب دون تعلق، نعَم أنا جادةً حقًّا، وأعرف أنني هنا أثير فضول النساء.

بلا تحفظات: هذا البلاء عودني أن أحب لكن بعقلي، أقرّ وأعترف أن تعلقي بماهر كان ينافس حب الله، ربما لهذا السبب أخذ رب العالمين مني الرجل الذي أحب، لأنه أراد أن يعلمني أن التعلق يجب أن يكون بالله وحده، أن أعتمد عليه، والبقية لا تهم، أن أفصل مشاعري، ولا أسمح بأن يؤثر الحب الشديد سلبًا على حياتي؛ فكل شيء قابل للتغيير، ومن يدري؟، قد يخرج ماهر وتخطر لديه فكرة الزواج، وهو من قال يومًا: "سأحتقر نفسي لو فكرت في الزواج بأخرى؛ كيف يضيع شبابكِ بسببي ثم أفكر بنفسي وأنت من صُنتِ عرضي وأولادي ومالي؟!، و(هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)؟!".

حب ماهر لا يزال على حاله كبيرًا كبيرًا، لكن الطريقة هي التي اختلفت، أنا اليوم أحب بوعيٍ وحدود، قبل اعتقاله كان إذا غضب مني تتوقف حياتي تمامًا وتكتسي بالسواد لتتوقف مكانها، كنت لا أنام أبدًا حين نختصم إلا بعد أن نتقاسم جملة: "صافي يا لبن حليب يا قشطة"، وفي بدايات اعتقاله إذا ما تجادلنا كنت أبكي طوال الليل، ثم سألت نفسي: "وبماذا يفيد البكاء؟!، هل من أحد يشعر باحتراقي؟!".

أما اليوم فقد أسمع منه كلمة لا تروقني في مكالمة السجن المنتظرة، وبرباطة جأشٍ أوقف تلك المسألة عند حدها، وبعدها أنسى وأمزح وآكل وأنام، هكذا أحافظ على توازن بهية من أن يختلّ، استغرقت كثيرًا من الوقت قبل أن أعيش وأدرك كُنه "المعاني العظيمة" بسبب هذه التجربة.