تتواصل ردود الفعل والتحليلات حول المقترح الجديد المطروح عبر الوسطاء لوقف الحرب في قطاع غزة، في ظل أجواء مشوبة بالترقب والحذر، بينما تتزايد الضغوط الدولية، خصوصًا من واشنطن، لدفع الطرفين نحو اتفاق يضع حدًا للأزمة الإنسانية المتفاقمة.
المحلل الإستراتيجي في الحزب الجمهوري أدولفو فرانكو اعتبر أن التطورات الأخيرة تبعث على التفاؤل، مؤكدًا أن وقف القتال يمثل السبيل الوحيد لإدخال المساعدات الإنسانية بشكل كافٍ.
وأوضح أن حكومة الاحتلال ستكون مضطرة للنظر بجدية في هذا المقترح بعدما تخلت حركة حماس عن شرطها السابق بوقف الحرب نهائيًا، وهو ما يعدّ تحقيقًا لمطلب إسرائيلي حال دون أي اتفاق في الشهور الماضية.
ورأى فرانكو أن احتلال غزة بشكل كامل لا يصب في مصلحة إسرائيل، معتبرًا أن المفاوضات المقررة خلال فترة الهدنة ستتيح مناقشة مستقبل القطاع بمشاركة عربية ودولية.
وأضاف أن الدعم الأميركي لهذا المقترح يجعله الخطوة الأولى نحو حل النزاع الذي يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين.
في المقابل، استبعد الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى أن تسارع حكومة الاحتلال للرد على المقترح، مرجحًا أن يلجأ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى المماطلة لامتصاص حالة التصعيد التي غذّاها خلال الأيام الماضية.
وأكد أن قبول حماس بالمقترح يضع نتنياهو في مأزق سياسي، خاصة أنه كان يعتقد أن الشروط التعجيزية التي أضافها ستغلق أي أفق للتفاوض.
وأشار مصطفى إلى أن نتنياهو قد يتمسك بفرض السيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع كشرط للقبول، في محاولة لتسويق ذلك داخليًا باعتباره تراجعًا فلسطينيًا أمام التهديدات العسكرية الأخيرة.
أما المحلل السياسي وسام عفيفة، فأوضح أن أجواء من التفاؤل الحذر تسود الشارع الغزي، خصوصًا بعد لقاءات رفيعة المستوى في القاهرة شارك فيها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن.
لكنه شدّد على أن الشكوك ما زالت قائمة، لافتًا إلى أن إسرائيل اعتادت التنصل من الاتفاقات أو إفراغها من مضمونها عبر شروط إضافية.
من جانبه، رجح المختص في الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد أن يكون الرد الإسرائيلي إيجابيًا لكن مع زيادة شروط جديدة.
وبيّن أن عدة عوامل قد تدفع حكومة الاحتلال للتجاوب، أبرزها الضغوط الأميركية، وتململ بعض قادة الائتلاف اليميني مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش من سياسات نتنياهو، إضافة إلى حاجة الجيش لمزيد من الوقت لإعادة الاستعداد بعد أشهر الحرب المستمرة.
وأوضح أبو عواد أن نتنياهو قد يصرّ على إبقاء مسألة إنهاء الحرب غامضة دون تقديم ضمانات حقيقية، فضلًا عن ربط مستقبل غزة بشروطه المتكررة، ومنها إقصاء حماس والسلطة الفلسطينية عن الحكم ونزع سلاح المقاومة، مع الإبقاء على السيطرة الأمنية الإسرائيلية.
في السياق ذاته، أكد الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون أن حماس أبدت مرونة أكبر هذه المرة، انطلاقًا من أولويتها القصوى المتمثلة في حماية أكثر من مليون فلسطيني يواجهون خطر الموت والتهجير في مدينة غزة.
وأوضح أن أي قرار يضمن إنقاذ الشعب الفلسطيني سيكون مطروحًا بجدية على طاولة الحركة، مشيرًا إلى أن المقترح الحالي لا يتضمن قضايا شائكة مثل سلاح المقاومة أو إبعاد الفلسطينيين عن غزة، وهو ما يمنح فرصة واقعية لوقف الإبادة.
وأضاف المدهون أن وقف الإبادة ولو بشكل مؤقت قد يفتح المجال أمام جهود دولية متزايدة لإقامة الدولة الفلسطينية، مشددًا على أن حماس تسعى لأن تكون طرفًا أساسيًا في هذه المعادلة، عبر موقف وطني موحد يعيد تقييم المرحلة ويضع أسسًا لإنهاء الحرب.
وبين ضغوط الوسطاء ومناورات نتنياهو، يبقى الشارع الفلسطيني متمسكًا بأمل التوصل لاتفاق يضع حدًا لمعاناة إنسانية غير مسبوقة، وسط مخاوف متجددة من أن تعيد إسرائيل إنتاج سيناريوهات التعطيل في اللحظات الأخيرة.
وفي وقت سابق، قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" طاهر النونو، إنَّ المقترح الذي وافقت عليه الحركة، يقف في المنتصف بين موقفها السابق والموقف الإسرائيلي السابق.
وأكد النونو في تصريح صحفي، أمس الاثنين، أن "حماس" قامت بتغليب المصلحة الوطنية بالموافقة على المقترح الجديد الذي يقف في المنتصف.
وأشار النونو إلى أنَّ هناك ضمانات أميركية في بنود مقترح الاتفاق الذي وافقنا عليه، مضيفًا "نأمل أن يؤدي المقترح الجديد إلى مسار لوقف الحرب".
وأعلنت "حماس" موافقتها على المقترح الذي قدمه الوسطاء لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وقالت الحركة، في بيان رسمي مساء أمس الإثنين، "حركة حماس والفصائل الفلسطينية أبلغت موافقتها على المقترح الذي قدم لها بالأمس من الوسيطين المصري والقطري.
وأكدت مصادر فلسطينية مطلعة للجزيرة أن حماس والفصائل أبلغت الوسطاء موافقتها على المقترح دون أي تحفظات، مشيرة إلى أن الخطوة تهدف إلى حماية المدنيين في القطاع وتخفيف المعاناة الإنسانية التي يعيشها السكان جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة منذ أكثر من عامين.
وينص المقترح على عدة بنود أساسية تشمل إعادة انتشار القوات الإسرائيلية في مناطق شمال وشرق غزة، مع استثناء بعض المناطق مثل حي الشجاعية وبيت لاهيا، مقابل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، وفتح معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية، وضمان إدخال الوقود والمياه والكهرباء وإعادة تأهيل المستشفيات والمخابز ومعدات رفع الأنقاض.
كما يتضمن المقترح تبادلًا للأسرى، بحيث يتم إطلاق سراح 140 أسيراً فلسطينياً من المؤبدات و60 آخرين ممن حكم عليهم بأكثر من 15 عامًا، مقابل الأسرى الإسرائيليين، بالإضافة إلى الإفراج عن كل الأطفال والنساء، وإطلاق سراح 10 جثامين فلسطينية مقابل كل جثة إسرائيلي.
وأوضحت المصادر أن تنفيذ المقترح سيتم فور الموافقة عليه، حيث ستتولى الأمم المتحدة ووكالاتها والهلال الأحمر والمؤسسات الدولية العاملة في غزة توزيع المساعدات الإنسانية بالتنسيق الكامل مع الفصائل الفلسطينية، وفقًا للاتفاق السابق الموقع في 19 يناير 2025.
وفي تعليق على التطورات، قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية لقناة القاهرة الإخبارية إن هناك جهودًا مصرية مكثفة للتوصل إلى وقف إطلاق النار، مؤكداً أن الوسيطين المصري والقطري أعدا المقترح الجديد استنادًا إلى مقترح سابق، وأن الفصائل الفلسطينية ردت عليه دون أي تحفظات، فيما تم إرسال المقترح إلى الجانب الإسرائيلي، والكرة الآن في ملعبها.
وأضاف أن موافقة حماس وضعت إسرائيل أمام فرصة وأزمة في الوقت نفسه، محذرًا من أن عدم الاستجابة للمقترح قد يؤدي إلى استمرار التصعيد، مؤكداً على ضرورة الضغط الدولي، خصوصًا الأمريكي، على إسرائيل لقبول المقترح تمهيدًا لحل شامل، وإنقاذ سكان قطاع غزة من الوضع الإنساني الطارئ.
وتأتي هذه الخطوة في وقت يتصاعد فيه الضغط الدولي لإنهاء الحرب في غزة، وسط تحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية التي تشمل المجاعة ونقص الغذاء والدواء والمياه، إلى جانب استمرار القصف الإسرائيلي للمدنيين والبنية التحتية الحيوية في القطاع.

