فلسطين أون لاين

من الإنكار إلى الاعتراف.. الصِّحافة الغربيَّة تبدأ كسر حاجز الصَّمت عن غزَّة

...
من الإنكار إلى الاعتراف.. الصِّحافة الغربيَّة تبدأ كسر حاجز الصَّمت عن غزَّة
وكالات/ فلسطين أون لاين

لشهور طويلة، التزمت أغلب المؤسسات الإعلامية الغربية، لا سيما اليمينية منها، الصمت أو التبرير في تغطيتها لما يحدث في قطاع غزة. تعاملت مع المجازر والتجويع والحصار بصيغة باهتة، متماهية مع الرواية الإسرائيلية، ومتجاهلة لمبادئ طالما رفعتها بشأن حقوق الإنسان والدفاع عن المستضعفين.

لكن المشهد الإعلامي الغربي بدأ يشهد تغيرًا لافتًا. تقارير حديثة لصحف كبرى، منها التلغراف والغارديان والإندبندنت ولوفيغارو واللوموند، باتت تُسلّط الضوء على سياسة التجويع الممنهجة التي تنفذها إسرائيل في غزة، وسط تنديد أممي ومنظمات حقوقية دولية تشير إلى ما يُشبه "المجاعة الجماعية".

صحيفة التلغراف البريطانية ذات التوجه المحافظ، والتي اشتهرت بدعمها غير المشروط للسردية الإسرائيلية، نشرت تقريرًا حمل عنوان: "جسدها يضعف يومًا بعد يوم.. أطفال في غزة يتضورون جوعًا حتى الموت".

واستعرضت الصحيفة شهادات من داخل مراكز طبية بغزة، ولقطات لأطفال يعانون من سوء تغذية حاد، وسط انهيار شبه تام للمنظومة الصحية. وأشارت إلى تحذير وقّعت عليه أكثر من 100 منظمة إغاثية من خطر اتساع المجاعة.

"الناس في غزة جثث تسير"

أما صحيفة الغارديان، فاختارت أن تكون أكثر مباشرة، ووصفت في مدونتها الحية الوضع الإنساني في غزة بعبارة: "الناس في غزة جثث تسير".

وقد عنونت الصحيفة البريطانية التي تهتم بقضايا المساواة، وحقوق الإنسان، والهجرة، والعدالة مدونتها بالتالي: "الناس في غزة جثث تسير والأونروا تقول إن لديها 6000 شاحنة مساعدات جاهزة بانتظار السماح لها بدخول غزة".

ولم تكتفِ غارديان بهذه التغطية المميزة، ولكنها خصصت افتتاحيتها أمس لغزة ومأساتها، وجاءت تحت عنوان: "سيتطلب الأمر أكثر من مجرد كلمات لوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل".

وجاء فيها أن "وراء هذه الوفيات الظاهرة يكمن رعب المجاعة المنظمة، فهي على حسب تعبير البروفيسور أليكس دي وال الخبير في الأزمات الإنسانية: مهندسة بدقة، وخاضعة للمراقبة الدقيقة، ومصممة بعناية".

وخلصت الصحيفة إلى أن على دول العالم أن تتعاون لمواجهة التدمير الممنهج لحياة الفلسطينيين في غزة، ولتقديم رد منهجي وشامل وملموس وبشكل فوري، محذرة من أن السماح بتمزيق القانون الإنساني الدولي، ستطال تداعياته الكثيرين حول العالم في السنوات المقبلة.

الإندبندنت: الذهب مقابل الطحين

صحيفة الإندبندنت الليبرالية نشرت على صفحتها الأولى فيديو مؤلمًا بعنوان: "الفلسطينيون الجائعون يقايضون الذهب بالدقيق ويخاطرون بحياتهم للحصول على المساعدات".

ونقلت مشاهد مأساوية عن أمهات لا يجدن حليبًا لأطفالهن الجوعى، وأشخاص يُقتلون أثناء سعيهم للحصول على المساعدات، متهمةً المجتمع الدولي بالعجز عن وقف الكارثة.

رغم تحفظها، نشرت صحيفة تايمز البريطانية خبرًا بعنوان: "مجاعة جماعية" في غزة.

فيما حذّرت صحيفة واشنطن تايمز الأميركية من تفشي المجاعة بعد مقتل 29 فلسطينيًا في غارات إسرائيلية، لكنها أصرّت على إدراج الرواية الإسرائيلية التي تزعم أنها "تسمح بدخول ما يكفي من المساعدات".

الصحافة الفَرنكوفونية.. صوت مختلف

تناولت صحف ناطقة بالفرنسية الوضع بشكل أكثر جرأة.

صحيفة لوتان السويسرية نشرت نداء من صحفية فلسطينية: "إذا لم تستطيعوا وقف القنابل، فأوقفوا على الأقل الجوع".

أما لوموند الفرنسية، فخصصت افتتاحيتها لما سمّته "مجزرة غزة"، داعية لردّ عالمي حازم.

حتى لوفيغارو، المعروفة بميولها اليمينية، خصصت مدونة بعنوان: "100 منظمة غير حكومية تحذر من بداية المجاعة الجماعية في غزة".

يشير مراقبون إلى أن هذا التحول في التغطية الغربية ليس انقلابًا سياسيًا في المواقف، بل استجابة اضطرارية لمشاهد لا يمكن إنكارها. فالمجاعة في غزة، وقد أودت بحياة المئات بينهم أطفال، باتت ماثلة في الصور والتقارير الطبية، ولم يعد ممكناً تغليفها بالدعاية السياسية.

ويعيش قطاع غزة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه، حيث تتداخل المجاعة القاسية مع حرب إبادة جماعية تشنها إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

يأتي ذلك في وقت تعاني فيه مستشفيات غزة من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات، وانهيار شبه كامل في قدراتها التشخيصية والعلاجية.

ومنذ 7 أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلفت الإبادة، بدعم أمريكي، أكثر من 203 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.

المصدر / وكالات