**﴿فَلَا اقتَحَمَ العَقَبَةَ*﴾*
البلد11
في أتون المحنة، حيث ينزف قلب غزة بلا توقف، يقف أهلها الصابرون، الطائفة المنصورة بإرادة الله، يواجهون أهوال سنة عسرة من القتل والدمار والجوع، في محرقة لا ترحم كبيرًا ولا صغيرًا، لا رجلًا ولا امرأة، ولا أمن ولا أفق، بل لا مكان لهم إلا بين الركام وصرخات الألم. يمشون في دروب اللا مكان واللا أمل، يطوفون بحياة معلقة بين الموت والحياة، يستيقظون مع بزوغ الفجر ليصطفوا في طوابير لا تنتهي من أجل قطرات ماء، لقمة خبز، أو لقيمات من رحمةٍ نادرة، بينما القتل يطاردهم في كل زاوية، والدماء تختلط بالطحين، وتغطي خبزهم، في مشهدٍ يحمل بين طياته صرخة {حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} التي لا تُطفئها النار ولا تخمدها رياح القتل، لأن عزيمتهم نار لا تنطفئ، وصبرهم سلاحهم في مواجهة ظلمات السنين.
الرقم الصعب إنها غزة بوابة آسيا مع إفريقيا والحضور الوازن في مفاصل التاريخ قاطبة. ففي مواجهة التتار كانت أول من أسقطت هيبة الجيش التتري الذي ظن الناس أنهم لا يموتون وكان المغول قد قتلوا ما بين 40 إلى 60 مليون إنسان في العالم حين فاجأتهم غزة حين داهمت مجموعة فدائي غزة حامية التتار في وسط غزة بمدرسة الزهراء وقتلوا عددًا منهم وعلقوا رؤوسهم في المسجد العمري مما شكل شرارة البدء لسقوط هيبة جيش الإجرام المغولي، وشكلت كتيبة غزة طليعة جيش قطز من بكتيبة الاستشهاديين في ملحمة عين جالوت.
كما مثلت غزة طليعة جيش صلاح الدين في حطين والذي جعلهم مقدمة الجيش في حطين وفي معركته كانت في عسقلان التي تمثل هي وغزة على مدار التاريخ لواء واحدًا ومنطقة جغرافية موحدة وتاريخ مقاومة ممتد. وحين قدم نابليون من مصر بعد احتلالها بجيش لم يستطع اقتحام غزة قادمًا على مرتين وفي الثالثة التف خلفها نحو بئر السبع حتى استطاع تجاوزها وصولًا لإتمام مسيرته على ساحل فلسطين حتى ردته مدحورًا عكا ودفنت حلمه الإمبراطوري على أسوارها. والاحتلال الإنجليزي لمصر امتد 33 سنة قبل أن يتقدم الاحتلال لفلسطين بجيش من المصريين وقيادة إنجليزية من بوابة غزة ولم يستطع دخولها على ثلاث جولات حتى دمرها بالكامل وسحقها حين جاء الإسناد للجنرال اللمبي من شرق غزة عبر لورنس العرب الذي يقود الأعراب الذين تواطؤوا على الدولة العثمانية بمسمى الثورة العربية الكبرى.
طوال سنوات احتلال غزة من عصابات الإبادة المسمى دولة (إسرائيل) رغم سنوات احتلالها القليلة إلى أن غزة شكلت شوكة في حلق عصابات الإبادة وخنجرًا في خاصرتها وقد صنعت على عين الله تبارك وتعالى كموسى عليه السلام في بيت فرعون وكم تمنى كبار قادة وجنرالات عصابات الإبادة زوال غزة ومحوها وسحقها وأشهر كلماتهم "نتمنى أن نستيقظ ونجد غزة قد ابتلعها البحر".
غزة لم يبتلعها البحر ولكنها كما يبدو على صغر مساحتها وحصارها وضعف قدرتها ومقدراتها إلا أنها ستبتلع الحوت الكبير المسمى دولة (إسرائيل) بتحول كوني الذي تحيونه اليوم بطوفان ومحرقة غزة التي تسقط الخيار الغربي في المنطقة بأكملها بسقوط أولًا دولة الكيان الوظيفي، وأولًا بسقوط أخلاقي وإنساني وحالة التعري التي لم تسبق لدولة عصابات الإبادة زعمت يومًا أنها واحدة من الديمقراطية والإنسانية الوحيدة في المنطقة أو التي يقرر جميع أصحاب الفكر فيها ألا مستقبل لها وأن أجلها قريب والله عز وجل تأذن بهلاك القرى وهي ظالمة {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} إبراهيم 42. بل إنه نهاية محور الشر المتمثل بالعالم الغربي وفي مقدمتها أمريكا حيث لا مستقبل لها في المنطقة في ظل سقوطها الأخلاقي والإنساني بعد محرقة غزة واستباحتها للدماء والأطفال والنساء وغدت مفضوحة كشريك عصابات الإبادة.
والشعوب العربية والمسلمة والحرة المحتقنة بما حل بفلسطين وغزة والتي تمثل القلب، والأقصى والمسرى بوابة السماء، والشعوب بركان سيثور قريبًا كما ثار في الربيع العربي بعد ملحمة الفرقان في غزة 2009 فإن النار تضطرم في كل ضمير عربي ومسلم وحر على وقع جرائم محرقة غزة وستصحوا البشرية قريبًا على الربيع العربي في نسخته الثانية لتنتصر الشعوب. وكما هتفت في ربيعها الأول "الشعب يريد تحرير فلسطين" سيكون هتافها في الربيع الثاني رجع صدى لطوفان ومحرقة غزة ليهز أركان الدنيا ويرعب الظلمة والغرب والاستبداد ويفتح الطريق أمام التحول الأكبر في المنطقة والعالم بعلو جديد للشرق عن الغرب {يَسْأَلُونَكَ {مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا} الإسراء 51.

