تشير التطورات الميدانية الأخيرة في قطاع غزة، وتحديدًا في شرقي خان يونس وشرقي مدينة غزة، إلى تحوّل نوعي في أداء المقاومة الفلسطينية، ولا سيما كتائب القسام. فمحاولتا الأسر اللتان جرتا تعكسان تحولًا في الاستراتيجية العسكرية للمقاومة، يرتكز على إرباك قوات الاحتلال الإسرائيلي واستنزافها نفسيًا وميدانيًا.
وبحسب خبراء عسكريين، فإن هذه المحاولات ستؤدي إلى خلخلة الروح المعنوية لجنود الاحتلال، وزيادة حذرهم الميداني، وهو ما ينعكس سلبًا على تنفيذ التعليمات.
الهجوم الذكي
الخبير العسكري الأردني نضال أبو زيد، يعتقد أن المقاومة الفلسطينية دخلت منذ مطلع يوليو/ حزيران الجاري، في مرحلة "الهجوم الذكي" المبني على تكتيكات دقيقة ومحسوبة، كالإغارات الليلية والتسلل خلف خطوط العدو، وهي أنماط عملياتية تستغل نقاط ضعف جيش الاحتلال.
ويؤكد ابو زيد لصحيفة "فلسطين"، أن المقاومة أدخلت أهدافا جديدة إلى أجندتها القتالية يتمثل في أسر جنود الاحتلال، وهو تطور نوعي. مضيفا أن محاولة أسر الجنود لا تأتي من فراغ، بل نتيجة إدراك المقاومة بأن أحد أبرز أوجه ضعف جيش الاحتلال هو هشاشة الحالة النفسية وتراجع العنصر البشري.
ويتابع القول، مع استمرار حرب الابادة دون تحقيق إنجازات حاسمة، باتت معنويات جنود الاحتلال في تراجع واضح، وهو ما دفع المقاومة إلى الترويج إعلاميًا لمحاولات الأسر، بهدف تعزيز الخوف بين جنود الاحتلال.
وبرأيه، فإن الخوف المفرط من الوقوع في الأسر يؤدي إلى زيادة الحذر في سلوك الجنود.. هذا الحذر يشكل عبئا يؤدي إلى التردد في تنفيذ التعليمات، وربما تجنب المواجهة المباشرة.
ويشير أبو زيد إلى أن تلك المعطيات فرضت سلسلة تدابير اتخذتها قيادة الاحتلال، من أبرزها تفعيل نظام "هنيبعل" - يستخدمه جيش الاحتلال عند الاشتباه بعملية أسر، يهدف إلى منع وقوع الجندي في قبضة المقاومة.
كما لجأ جيش الاحتلال إلى تزويد جنوده بمسدسات فردية، في محاولة لمنحهم وسيلة للدفاع عن أنفسهم أو "الانتحار العسكري" قبل الوقوع في الأسر، كما ظهر في مشهد الجندي في عبسان الكبيرة شرفي خان بونس الاسبوع الماضي.
والإثنين الماضي، أعلنت وسائل إعلام عبرية عن محاولة أسر جندي في عملية للمقاومة في حي التفاح شرق مدينة غزة، قبل أن تتدخل قوات الاحتلال وتقصف المنطقة بكثافة.
كسر أمن العمق
من جانبه، يرى الخبير العسكري العراقي حاتم كريم الفلاحي، فيرى أن العملية العسكرية التي نُفذت في عبسان ليست مجرد هجوم تكتيكي، بل هي عملية مركبة بامتياز، تم التخطيط لها بعناية.
ويشير إلى أن استخدام المقاومة لأسلوب الصمت القتالي والاقتراب لمسافات قصيرة قبل الهجوم يعكس احترافًا عاليًا في التنفيذ، ويتطلب قدرة استخبارية وميدانية متقدمة.
وقال الفلاحي في تصريحات متلفزة، إن تكرار هذا النمط العملياتي يُشكل خطرًا استراتيجيًا على قوات الاحتلال، لأن محاولات الأسر – حتى وإن فشلت – تغذي حالة من القلق المستمر لدى الجنود، وتكسر ما يُسمى بـ"أمن العمق".
كما أن عمليات الأسر تحمل بعدًا تفاوضيًا وسياسيًا خطيرًا، قد يُجبر الاحتلال مستقبلًا على الدخول في صفقات تبادل، وهو ما تسعى المقاومة لتحقيقه على المدى البعيد.

