فلسطين أون لاين

​العام الأول للزواج

العام الأول للزواج

يتفق جميع علماء النفس والاجتماع على أن العام الأول للزواج هو الأصعب في عمر الزواج, حيث تدخل المعاشرة الزوجية أعمق مراحلها, فتظهر النواقص والعيوب, وتهدأ العواطف, ويبدأ الصراع لمواجهة الحياة بجوانبها المختلفة، المادية والمعنوية، وتتنامى الدافعية في الاستمرار لدى البعض بينما تنطفئ لدى آخرين.

ويعتبر اختلاف الطباع والعادات من أهم المشكلات التي تواجه الزوجين في عامهما الأول, إذ إنه من الصعب جدا جمع شخصين مختلفين في التربية والنشأة والعادات والطبائع تحت سقف واحد دون تهيئة أو إرشاد, ونطالبهما بالعيش بسعادة وسلام, دون تصادم أو مشكلات, وهنا يأتي دور التأهيل المجتمعي وهو الإلمام بالعادات والتقاليد وطبائع أهل الزوج والزوجة, حيث إن كثيراً من المشكلات تبدأ عند الإخلال بالعادات والتقاليد والطبائع، فتبدأ الانتقادات والملاحظات وتتفاقم المشكلات التي قد تفضي إلى الطلاق.

ولقد أثبتت العديد من الإحصاءات التي أجريت حول أسباب الطلاق الذي يقع في العام الأول من الزواج أن الأسباب كانت تدور في فلك عدم تقبل الآخر بطباعه وعاداته, وقد لا تكون هذه الطباع والعادات فتاكة كالعنف المفرط أو الإدمان, أو غيرها من الصفات التي لا يمكن تغييرها, بل قد تكون الأسباب تافهة, لدرجة أن الزوجين عجزا عن التنازل كل للآخر لتخطي هذه الخلافات, فتعثرا بها لدرجة الانفصال, وهنا من الضروري أن يكون لدى الزوجين وعي وتأهيل ثقافي ويشتمل هذا التأهيل على الوعي فيما يتعلق بقضايا الأسرة والنفقات وأدب المعاشرة وأدب الطلاق, إذ إن غالب حالات الطلاق تحدث في ظل غياب الوعي الديني والفقهي لأدب القرآن في الطلاق.

قد تلجأ بعض الزوجات إلى تغيير طباع زوجها لتتوافق مع طباعها فتبدأ باستخدام أسلوب النقد ظنا منها أنه أسلوب ناجع وهي بذلك تتعب نفسها وتهدر طاقتها؛ لأن كثرة النقد تولد العناد والإصرار على الطبع أو الخطأ, وهنا على المرأة أن تتقبل فكرة مخالفتها في بعض التصرفات وتعي أنه لا يمكن أن يتفق اثنان في كل شيء. وهنا لا بد من وجود التأهيل النفسي لكل من الزوجين قبل الزواج وبداية الحياة المزدوجة مع الشريك, حيث يجب على الطرفين الوعي بطبيعة الاختلاف الفكري والنفسي بينهما، فحين يجهل كل من الزوجين طبيعة الآخر وتركيبته النفسية فذلك يسبب النفور بينهما حيث يتوقع كل منهما الكمال والمثالية من الآخر، فإن لم يجدها يصير الشقاق الذي يفضي إلى الطلاق.

إن أهم ما يمكن أن يعرفه المقدمون على الزواج أنهم سيواجهون الصعاب في تقبل الاختلاف الفكري والسلوكي لدى الشريك ويجب أن يكون لديهما وعي بالفارق الكبير بينهما في التفكير والاستجابة وردود الفعل حيال المسائل المختلفة وتعد المعرفة الأولية بطبيعة الخلاف والتدرب على تقبله والتعامل معه الدرع الذي يرتديه كل من الزوجين في معركة التفاهم والتناغم مع الشريك.

وتعتبر الأسرة هي الأساس في القيام بأنواع التهيئة المختلفة, إن كانت تتمتع بالعلم والمعرفة والحكمة وإن كانت مؤمنة بالهدف الأساسي لبناء الحياة الزوجية. وهذا لا ينفي دور المجتمع ككل في نشر الثقافة الزوجية السليمة وتنمية الوعي الثقافي والنفسي والمجتمعي والديني اللازم لجعل العام الأول من الزواج عام تجربة, تحفه المساندة الأسرية والمجتمعية لكلا الزوجين لتخطي الخلاف ولسرعة التفاهم والتناغم, لبناء أسرة مستقرة تنعم بالسعادة والسكينة تصنع فيما بعد مجتمعا صالحا ناجحا منافسا.