فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

*{إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ}* [التوبة: 40].

ونحن نعيش الطوفان والمحرقة في ظلال ذكرى الهجرة، تعود إلينا دروسها الكبرى لترسم معادلة جديدة في العلاقة مع المحتل الغاصب، عنوانها:

{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ  وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا} [الإسراء: 5].

كانت الهجرة مدرسة اليقين، تجسدت في أعظم معانيها:

{لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]،

تلك المعية الإلهية التي أنزلت السكينة، وأيّدت بجنودٍ لم تُرَ، وملأت قلوب أهل غزة، وهم تحت القصف، بأعظم الطمأنينة، فثبتوا وقالوا كلمات النصر والعزيمة والصمود، وأقبلوا على الموت كمن يقبل حياة مفعمة بالكرامة.

الإرادة التي حملها النبي ﷺ في هجرته، حين قال: "حتى يُظهره الله أو أُهلَك دونه"، تتجلى اليوم في عزيمة المجاهدين في غزة، الذين أرهَبوا العدو وساق الله إليه الرعب، فوالله لو سُحِقوا فرداً فرداً لن يخلصوا إلى غزة وقدسها.

ولمّا استقر النبي ﷺ في المدينة، بدأ ببناء المسجد، ليكون منارة لبناء الإنسان وتزكية الجيل:

{لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: 108].

وهكذا كانت مساجد غزة قبل أن تحيلها صواريخ الإبادة إلى ركام، بيئة طاهرة تصنع الإنسان الراكع الساجد، ولذلك فإن إعادة إعمار المساجد بناءً ومعنىً هو حجر الأساس في طريق النصر.

وفي المدينة، آخى النبي ﷺ بين المهاجرين والأنصار، وارتفع نداء:

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]،

وفي غزة المحاصرة والمحروقة اليوم تتجلى هذه الأخوة في أبهى صورها، إذ لا يوجد فلسطيني واحد تخلّى عن حقه، ولا مقاوم باع بندقيته، فالوحدة هي أعظم دروس الطوفان، وغزة تدعو الجميع إلى صياغة مشروع وطني يحمي الثوابت ويمضي نحو التحرير.

وبعد الهجرة، نزل الأمر الإلهي:

{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60].

وها هو الإعداد يأخذ صورته الأعظم في صواريخ تُدكّ تل أبيب، وتُقصف بها حيفا، وتُرعب بها كل مستوطن، فالمعادلة تغيّرت، وميزان الردع لم يعد كما كان، والطوفان ليس إلا حلقة في سلسلة النصر القادمة بإذن الله.

والهجرة، رغم كل ما حملته من مطاردة، وصفها الله بالنصر:

{إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} [التوبة: 40]،

وهكذا فإن الطوفان والمحرقة في غزة نصر تراكمي، تتعاقب موجاته منذ انتفاضة الحجارة، مروراً بلبنان، إلى انسحاب الاحتلال من غزة، إلى معارك الفرقان، وحجارة السجيل، والعصف المأكول، وسيف القدس، وصولًا إلى هذا الطوفان الذي يدشّن – لا محالة – مرحلة التحرير الشامل.

والنصر لا يكتمل إلا بأخلاق المنتصر، كما قال النبي ﷺ في فتح مكة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

وعلى أهل النصر أن يكونوا كما كان ﷺ، متواضعين، رحماء، عافين، متجردين لله، حاملي راية البناء بعد الهدم.

وفي لحظة الهجرة، وعد النبي ﷺ سُراقة بسواري كسرى وهو لا يملك سيفاً ولا درعاً، ولكنها رؤية النصر. ونحن اليوم، ورغم المذبحة، نرى ما رآه؛

{وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ  قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء: 51].

وإننا لداخلون المسجد الأقصى بإذن الله، فاتحين محررين، لنُتمّ الهجرة بالنصر، ولنُكمل الطوفان بالتحرير.

المصدر / فلسطين أون لاين