إكرام الميت دفنه" شعار اتخذه المسلمون قولاً وفعلاً، ويدل على احترام الإسلام الإنسان حياً وميتاً؛ لأن تركه بلا دفن يعني تركه للسباع تنهش لحمه ويسبب أذى للميت وأهله، وقد تعلم الإنسان هذه الفكرة من الغراب كما في قصة قابيل وهابيل.
طقس دفن الشهداء يتم بمراحل: أداء صلاة الجنازة في مسجد بحضور جماهيري، وتلاوة بيانات رسمية في أثناء مسيرة التشييع تذكر مناقب الشهيد، وإقامة بيت عزاء كبير يحضره أهل المدينة، لكن منذ عدوان أكتوبر 2023 اختلف الأمر، فكيف يتم دفن الشهداء؟
ما إن تعلم عائلة باستشهاد أحد أبنائها حتى يذهب أبناؤها للمشفى المركزي للتأكد وتسجيله في سجلات الشهداء بوزارة الصحة، ثم يودعونه لدفنه بأقرب مقبرة، وتتم التعزية عبر الجوال ومواقع التواصل.
المحزن جداً في هذا العدوان، أنه:
_ يتم نقل الشهيد للمشفى ومن ثم للمقبرة على عربة يجرها حمار، أو تكتك، أو سيارة الإسعاف في أحسن الأحوال، وهذا يتحدد بناء على بعد المكان، وسهولة الوصول له، وعدد الشهداء، وازدحام الطريق.
_ تجد نصف أعضاء جسم الشهيد، والباقي تطاير بفعل قسوة القصف.
_يتم دفن الشهداء في ساحات المشافي، لصعوبة نقلهم للمقابر.
_يتم دفن عدة شهداء في قبر واحد، لكثرة العدد.
_ يشارك في التشييع عدد قليل.
_ يتم العثور على شهداء قُتلوا بعد فترة طويلة من استشهادهم، تصل لشهور، دون معرفة هويتهم لتحلل أجسامهم، وهذا حدث كثيراً، وأذكر في هدنة يناير 2025 عندما رجعنا لمناطقنا التي انسحب منها العدو وجدنا هياكل عظمية لم نتمكن من معرفتها.
_ ألا يقام بيت عزاء للشهداء.
_تجد كثيرا من الشهداء تحت الأنقاض لم تتمكن فرق الإنقاذ والدفاع المدني والإسعاف من الوصول لهم. تصوروا، حين يقصف الاحتلال مبنى مكونا من عدة طوابق مأهولة بالسكان، فالمؤكد صعوبة إنقاذهم جميعاً لعدم توافر وسائل ومعدات الإنقاذ.
_تجد شهداء وقد سوت دبابات العدو جثتهم بالأرض.
_أن يجد الطبيب المُعالج أن الشخص القادم في الإسعاف هو من أسرته، وهذا حدث كثيراً، وأكثر القصص ألماً هو ما حدث مع الطبيبة آلاء النجار التي تعمل في مشفى ناصر وسط خانيونس، وتفاجأت بأن الشهداء هم أولادها التسعة ثم بعد فترة لحق بهم زوجها ولم يبقَ إلا ابن واحد.
وبالأرقام وحسب وزارة الصحة فقد وصل عدد الشهداء حتى كتابة هذا المقال إلى 54418 شهيدا، منهم 18000 طفل، و12400 امرأة، فهل تكفي هذه الأرقام كي تتحرك ضمائر العالم أم أن طغاة العصر لم يشبعوا بعد من لحم الأبرياء؟