في الوقت الذي يُروَّج فيه لما يسمى بـ"خطة توزيع المساعدات الإنسانية" في غزة كخطوة لتحسين الأوضاع الإنسانية، تكشف تسريبات وتحقيقات إسرائيلية متطابقة عن مخطط أشمل وأكثر خطورة، يستهدف إعادة تشكيل الواقع في القطاع عبر أدوات مدنية وعسكرية، لدفع سكانه نحو التهجير القسري، وإحكام السيطرة الإسرائيلية عليه، وصولاً إلى مشروع استيطاني جديد.
في مقاله المنشور على قناة N12 الإسرائيلية، يحذر الكاتب عوفر شيلح من أن الخطة، التي تبدو في ظاهرها محاولة لتنظيم دخول المساعدات عبر جهات خاصة أميركية، هي في حقيقتها واجهة خادعة لمخطط أكثر شمولاً، يُدار من خلف الكواليس بتواطؤ جهات عسكرية واقتصادية إسرائيلية، وبدعم أميركي ضمني.
يقول شيلح إن توزيع المساعدات من قبل شركات أمنية خاصة ومرتزقة، وبتمويل خارجي، يبدو كأنه يخفف العبء عن إسرائيل أمام المجتمع الدولي، إلا أن الواقع الميداني يقول عكس ذلك: "من غير الواضح من سيموّل إطعام مليوني إنسان، أو من سيحمي نقاط التوزيع عندما تنهار تحت ضغط الجوع واليأس"، بحسب تعبيره.
ويضيف: الخطة ستجعل إسرائيل مسؤولة أمام العالم، لكنها لن تحلّ أي مشكلة. الجوع، الفوضى، سقوط مزيد من المدنيين، كلها ستُسجل على إسرائيل، ولن تقلل من الضغط الدولي، بل ستزيده".
الكاتب يكشف أيضاً أن التحقيقات الأخيرة أظهرت تورط ضباط في الخدمة الفعلية، إلى جانب رجال أعمال يعملون في الخفاء، في إعداد هذه الخطة. شركات أمنية غامضة بدأت بالفعل بتحقيق أرباح، وبعضها مرتبط بتضارب مصالح واضح مع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. ويؤكد أن هذه التحركات "تشبه نماذج الفساد القديمة"، في إشارة إلى ضباط متورطين في "قضية هرباز" سيئة السمعة.
يشير شيلح إلى وثيقة نشرها "معهد القدس"، كتبها كل من العميد احتياط إيرز وينر والعقيد احتياط غابي سيبوني، جاء فيها صراحة أن السيطرة الأمنية الكاملة على غزة تتطلب "وجوداً ميدانياً دائماً" و"مكونات من الحكم العسكري"، مع توزيع المساعدات عبر أدوات مدنية، وتهيئة الظروف لـ"تشجيع هجرة سكان غزة".
هذا الطرح، بحسب شيلح، لا يترك مجالاً للشك: الهدف النهائي هو التهجير الجماعي، والسيطرة الأرضية، تمهيداً لاستيطان جديد.
وينتقد الكاتب غياب أي تصور سياسي في الخطة، إذ يرى أن الاستمرار بهذا النهج سيدمر أي فرصة لتطبيع العلاقات مع السعودية أو غيرها من الدول العربية. كما أن مصير الأسرى الإسرائيليين في غزة يصبح أكثر غموضاً وخطورة في ظل غياب أي حل تفاوضي حقيقي.
ويختم بقوله: الأثمان التي ستدفعها إسرائيل ستكون باهظة – دبلوماسياً، اقتصادياً، ومجتمعياً – وقد بدأنا بالفعل في دفعها. لكن الآن، بات واضحًا من الذي يربح من هذا المسار الكارثي".
وارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي، بمشاركة عناصر من شركة أمنية أمريكية، مجزرة مروعة صباح اليوم في مراكز توزيع المساعدات الإنسانية بمحافظة رفح ومحور نتساريم.
وأفادت مصادر طبية أن عدد الشهداء ارتفع إلى 50 شهيدًا على الأقل، جُلّهم من النساء والأطفال، سقطوا برصاص مباشر استهدف جموع المدنيين الذين كانوا يصطفون للحصول على مواد إغاثية.
وقد أكد شهود عيان أن مرتزقة يرتدون زيًا أمنيًا تابعًا للشركة الأمريكية المكلفة بتأمين المساعدات، شاركوا إلى جانب جنود الاحتلال في إطلاق النار، ما يكشف عن تورط مباشر للولايات المتحدة في الجريمة، ليس فقط عبر الدعم السياسي والعسكري، بل من خلال شركائها على الأرض.
ويأتي هذا الهجوم في وقت تروج فيه الإدارة الأمريكية لجهودها في “تقديم المساعدات”، لتتحول هذه المساعدات اليوم إلى غطاء لارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق المدنيين الجوعى
وارتفع بذلك عدد ضحايا مجازر الاحتلال في مواقع توزيع ما يُسمى بـ"المساعدات الأمريكية – الإسرائيلية" خلال أقل من أسبوع إلى 39 شهيداً وأكثر من 220 جريحاً، معظمهم من الجوعى والنازحين الذين دفعتهم الحاجة للبحث عن رغيف الخبز وسط الجحيم.

