فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}* (الأعراف: 156)

غزة، بكل ما فيها، بكل من فيها، تصمد في محرقة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً. تُحاصرها نار ظلمٍ بربري، على مرأى ومسمع عالم أخرس، وإنسانية غارقة في صمتها وعجزها، وقلةٌ فقط وقفوا إلى جانبها بما استطاعوا، حتى بلغت القلوب الحناجر، وبقيت غزة وحدها #ياوحدنا. لكنها أبدًا لم تفقد رجاءها في الرحمة، وظلت تنادي الله: اللهم رحمتك نرجو، لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأصلح لنا شأننا كله.

الرحمة، من أسماء الله الحسنى، من أسماء الجمال، وهي أكثر من أسماء الجلال. وقد خلق الله الرحمة مائة، أمسك عنده تسعًا وتسعين، وأرسل واحدة في الأرض، يتراحم بها الخلق. والرحمة قانون وناموس كوني لا يتغير، فكيف بمن احتمى بالرحمن الرحيم؟

غزة التي خرجت كلها لله تعالى، لبّت نداء المسرى والأسرى، وقدّمت رجالها يقاتلون حتى النقطة صفر، استجابة لأمر الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا}، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} (البقرة: 216)، الله أرحم بها.
غزة التي أعدّت ما استطاعت من قوة، وما عجزت عنه وكلته إلى الله: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم} (الأنفال: 60)، الله أرحم بها.
غزة التي لم تبخل يومًا بنصرة شعبها، ولا أمتها، ولا المظلومين في كل مكان، والتي ما زالت تصرخ: "مشان الله يا غزة يلا"، فخرجت بكفّها، بصوتها، بدمها، الله أرحم بها.

غزة التي تراحمت فيما بينها، وتعاطفت وتعاضدت، الله أرحم بها. غزة التي ربّت أبناءها على الفداء والجهاد والشهادة، فتسابقوا في ميادين الموت من أجل الحياة، الله أرحم بها. غزة التي حفرت القرآن في قلوب أطفالها، وخرجت بمواكب الحفاظ آلافًا مؤلفة، الله أرحم بها. غزة التي رفعت أكفها لله الرحمن الرحيم، القوي القهار، العزيز الجبار، راجية رحمته بالأطفال والنساء والكهول، بالبهائم والشجر والحجر والماء والهواء، لا ترجو سواه، ولا ترتقب فرجًا إلا منه، ولا تثق إلا بوعده، ولا تلتفت إلا إليه للانتقام من الظالمين والمتآمرين: من لا يرحم لا يُرحم، اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك.

اليوم، غزة كلها واقفة عند باب الله وحده، دماؤها بين يديه، صبرها عند أعتابه، دموعها مرفوعة للسماء، وقلوبها معلّقة بالوعد الحق: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}. غزة تنتظر الفرج الذي لا يأتي إلا من عند الله، وتؤمن أن الرحمة التي وسعت كل شيء ستُكتب لها، وستُرفع بها، وستكون لها نصرًا وتمكينًا من حيث لا تحتسب.

المصدر / فلسطين أون لاين