فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

*﴿وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾*

 الأعراف89

في زمنٍ أُغلِقت فيه الأبواب وتكسّرت فيه النوافذ، تبقى غزة واقفة على العتبة، تنتظر فتح الله الذي لا يُغلق، وتستبشر بسماءٍ لا تبخل إن فُتحت. في قلب النار، تهمس الأرواح: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا}، وترنو القلوب إلى فتّاح السماوات، الذي لا يعجزه قيدٌ ولا سد. غزة لا تبحث عن بابٍ يُفتح، بل تنتظر أن تُفتح لها السماء رحمة ونصرًا، كما فُتح ليوسف من غياهب الجب، وكما فُجّرت زمزم تحت قدمي هاجر. هناك، بين الركام والدعاء، تنبت بذور الأمل، ويشتد الرجاء، وتهمس غزة: "يا فتّاح، آن أوان الفتح". غزة، هذه الأرض التي حملت نكبات التاريخ ودماء الأجيال، تعيش اليوم محرقة جديدة لا تُمحى من ذاكرة الزمن. نكبةٌ تكرر نفسها، ولكنها تحمل في قلبها صرخة شعب لم يُنكسر رغم السنين، شعب يُقاوم الاحتلال منذ قرنٍ وأكثر. رغم القتل والتشريد، تبقى الحقيقة صامدة، لا تغيب، ولا تليق بها السرديات المزيفة التي تحاول أن تلبس الظلم حُلل البراءة. ألسنة الكذب تبكي على محرقة ليست لهم، بينما دماء أطفالنا تسيل على أرضنا، ووجوه أمهاتنا تئن من هول الفاجعة. العالم يرى اليوم وجهاً آخر للحقيقة، وحكاية غزة المصلوبة على صليب الاحتلال تنتصر بأرواحها وصمودها، لتقول: النكبة لم تبدأ بالأمس، بل كانت وستبقى مقاومة حتى النصر، بإذن الله.

مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا } فاطر 2. الفتح هو إزالة الإغلاق والإشكال، وهو أيضًا بمعنى النصر { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا } الفتح 1، وهو "نصر من الله وفتح قريب"، كما أن الفتح يعني الحكم بين الناس { قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ } السجدة، { وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ } الأعراف 89. والفتح يُدرك بالبصر { فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } الزمر 71، كما يُدرك بالبصيرة { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ } الأعراف 96.

والله الفتَّاح يفتح أبواب الرزق والنصر والحكم، وهو سبحانه يفتح وييسر ويفرج الكرب، ويفتح أبواب الطاعة بالقرآن والصلاة والدعاء والصيام وصلة الأرحام والصدقة، كما يفتح بالمساعدة للناس، وجبر الخاطر، والشفاعة، والإصلاح، وسداد ديون الغارمين، وفتح أبواب العلم والإلهام والبصيرة. (وإذا أراد الله بعبد خيرًا، فتح عليه باب العمل وأغلق عنه باب الجدل).

غزة وأهلها، في محرقتها المستعرة حد الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، يرقبون فتح ربهم من حيث لا يدرون ولا يتوقعون { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } يوسف 90. فكما أنقذ الله يوسف عليه السلام من البئر والسجن، وكان الأمر يحتاج فقط إلى رؤيا ليفتح له أبواب الفرج، وكما أنقذ هاجر عليها السلام فأنالها أكثر مما كانت تتوقع بزمزم، وليس مجرد شربة ماء، فإن غزة تنتظر عناية الله وفتحه القريب.

نرقب فتح الله بعد أن أُوصدت الأبواب { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا } فاطر 2، ونقف على باب الفتَّاح متضرعين، بعد أن أخذنا بالأسباب، ونقول: "ببابك لن أغادره، ولن أسعى إلى غيرك". ونسعى جاهدين لأن نفتح لأهلنا في غزة ما نستطيع من أبواب الخير ونوافذ الأمل، وكل الرجاء أن يتقبل الله أعمالنا { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } البقرة 127، سائلين الله أن يفتح لنا أبواب رحمته: "اللهم افتح لنا أبواب رحمتك"، وأن يفتح لنا بالحق، كما قال تعالى { رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ } الأعراف 89.

اللهم إنا نسألك لغزة خير يومها، فتحه ونصره وبركته وهداه.

المصدر / فلسطين أون لاين