كيف تعتذر بريطانيا؟!؛ فهي لا تتعامل بعواطف ودموع ولا بلغة الحق والإنصاف، ولا تدمع عينها _ولو دمعة واحدة_ على ما اقترفت يداها بوعدها الملعون، بريطانيا لا تعرف إلا لغة المصالح والقوة والإجبار والضغط، ولن تعتذر أو تعوض أو تزيل ما صنعته يداها الآثمتان، ما دامت قوى الشعب الفلسطيني غير موحدة على برنامج وطني مقاوم، وما دام العرب متقاتلين فيما بينهم.
يشكل وعد بلفور في ذكراه الـ(100) وجعًا وألمًا متواصلين لكل فلسطيني وحر وشريف في هذا العالم، وعد ما زال مفعول سمه القاتل جاريًا ولم ينته بعد، ويجدد صور العذاب للفلسطينيين كل يوم بلا رحمة، وسط التدمير والخراب والممارسات العدوانية الشرسة، والمجازر بحق الأطفال والنساء والشيوخ.
فكرت بريطانيا وقدرت، فقتلت كيف قدرت، وراحت تحتفل بالمئوية، فهي من نقلت مشكلة اليهود لديهم عندنا، وخططت وأحكمت الخطط، وقدرت للشعب الفلسطيني أن يندثر في عالم القوة والهيمنة الغربية على مقدرات العرب والمسلمين بإبقاء دولة الباطل التي تسمى (إسرائيل) متفوقة عسكريًّا، وأن تَنسى الأجيال ما أحَدثه وعد بلفور، وأن تَبقى فلسطين في عَالم النسيان ضائعة ممحوة عن خريطة العالم الأرضية والسياسية.
هل يا ترى تحقق لبريطانيا وللغرب عمومًا والاحتلال ما يريدون، وهم الضعفاء بمنطقهم وأخلاقهم؟!، 100 عامًا من المكر والدهاء والقتل والتشريد للشعب الفلسطيني، مدة زمنية كهذه كانت كفيلة أن تؤدّي إلى النسيان، وصهر من تبقى من الفلسطينيين في دولة الكيان الغاصب، وذوبان اللاجئين في الدول التي لجؤوا إليها.
ولئن كانت بريطانيا العظمى قد نجحت في إقامة دولة الاحتلال وكيانها المزعوم إلى حين؛ فإنها لم تنجح في زرع ثقافة الهزيمة والاستسلام للأمر الواقع، لأن الشعوب الحية لا تموت والحرائر الفلسطينيات لا يتوقفن عن إنجاب الأبطال صناع التحرير، فالحق ينتزع ولا يضيع ما دام وراءه مطالب، وهو ما حصل في جنوب لبنان وفي غزة من طرد للمحتل الغاصب الظالم.
يوحد وعد بلفور الفصائل الفلسطينية جميعًا، لعظم مآسيه على المجموع الفلسطيني، وهو فرصة لنأخذ العبرة من عدونا كيف لا يختلف بشأن ثوابته، مع خلافاته وانقسامه الداخلي بين "السفرديم" و"الأشكناز"، وعلمانيين ومتدينين، فأمنه هو مسلمات لا يجوز المساس بها، ومصلحة كيانه العليا فوق أي مصلحة أخرى، فهل اعتبرنا من عدونا في ذكرى وعد بلفور المشؤوم، ووحدنا صفوفنا؟
12 مليون فلسطيني، ومن خلفهم مليار ونصف مليار مسلم، وبقية أحرار العالم لا يمكن لهم أن ينسوا، أو يغفروا لمن شتت شعبًا بأكمله.
بريطانيا أخطأت وأجرمت، وعلى من أخطأ أن يكفر عن خطئه بالاعتذار، وإصلاح خطئه والتعويض ومحو آثار عدوانه، على بريطانيا أن تبادر إلى ذلك من تلقاء نفسها، وإلا فإن غدًا مع كنس الاحتلال _وما هو ببعيد_ ستجبر بريطانيا صاغرة وذليلة على التكفير عن وعدها وذنبها، وعلى تعويض دولة فلسطين وقتها على ما تسببت يداها الآثمتان من معاناة شعب بأكمله طوال سنوات الاحتلال.
من استطاع طرد وكنس الاحتلال من جنوب لبنان وغزة بالقوة غدًا قادر على إجبار بريطانيا على الاعتذار، "ويقولون متى هو، قل عسى أن يكون قريبًا".