"مستقبل الحريات الإعلامية في ضوء المصالحة الوطنية" عنوان حلقة نقاش دعا إليه المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان قبل يومين نخبة من الصحفيين والسياسيين والكتاب وأقطاب المجتمع المدني وغيرهم، وهو ما يؤشر إلى قلق ينتاب المجتمع المدني والصحفيون من المستقبل في ظل السياسات الحكومية واعتداءات مادية وصلت للتعذيب، وفوضى التشريع في ظل الانقسام المقيدة للحريات الإعلامية!
إن الصحفيين والإعلام الوطني مطالبون بدعم المصالحة الفلسطينية بكل ما يملكون من أدوات الإعلام وقوة الكلمة وسحر القلم والصورة، حتى نتفرغ جميعًا للمعركة الأكبر مع الاحتلال، وهذا لا يعني بالمطلق عدم انتقاد مسلكيات أو مواقف وتصريحات من هذا الطرف أو ذلك، فالصحفيون هم الأمناء على الكلمة وعلى الحقوق والثوابت.
ولمزيد من الشفافية فقد شارك بعض الصحفيين في تأجيج نار الفتنة، واستخدموا وسائلهم الإعلامية وأقلامهم في إثارة الخلافات والكراهية والتعصب الحزبي حتى وقع الانقسام واكتووا بالنار التي شاركوا في إشعالها، وعليهم المساهمة في تجسيد المصالحة وتحصينها ليكونوا ساعد بناء فيها.
الحريات الإعلامية لم تكن أحسن حالًا قبل الانقسام، بيد أن الانقسام زاد من حدة الانتهاكات بحق الصحفيين، فقد اعتقل الصحفيون في شرطة الآداب واعتدي عليهم مرات ومرات، وزج بهم في سجون الأجهزة الأمنية فما إن يفرج عن الصحفي من المخابرات حتى يعتقله الوقائي، وتنتظره الاستخبارات العسكرية، وتراقبه الشرطة، بل حتى الدفاع المدني حينه مارس الاعتقال!
وحتى نضمن مستقبلا أفضل للحريات الإعلامية فإن الأمر يتطلب توفير بيئة سياسية وطنية ديمقراطية تؤمن بالحريات العامة وحرية الصحافة والرأي والتعبير، وبيئة قانونية تضمن الحقوق والعدالة للمواطن وللصحفي وتوفر تشريعات قانونية منظمة للعمل الصحفي لا مقيدة ومراقبة له، وجهاز قضائي مستقل، وبيئة نقابية تضمن وجود نقابة قوية للصحفيين حرة مهنية عصرية تمثل الجميع ولا ترتهن لأي جهة فئوية أو سياسية أو أمنية.
ويبرز أهمية التعريف الدقيق للصحفي ما سيحل كثيرًا من المشاكل، فقد اكتشفنا عندما قطعت السلطة رواتب نحو 30 صحفيًا أنهم موظفون في أجهزة أمنية؟! فكيف يعملون صحفيين وبأي حق؟ ولمن سيكون قلمهم وكلمتهم؟ كذلك ضرورة التزام الصحفي بالمهنية، فبعض الزملاء تستهويه الصحافة الاستقصائية، وهذا جميل لكن عليه الالتزام بكل متطلباتها فكل معلومة ينشرها تحتاج إلى ما يثبتها.
إن المؤسسات الصحفية والنقابية والمنظمات الأهلية والمراكز الحقوقية مطالبة بجهد أكبر وتشكيل لوبي ضاغط على السلطة وبخطة عمل متصاعدة من أجل إلغاء قانون الجرائم الإلكترونية –وهو الأخطر- الذي كان الصحفيون أولى ضحاياه، وإلغاء تعديل النص المتعلق بإساءة استخدام التكنولوجيا على قانون العقوبات لعام 1936، وإلغاء قرار حجب أكثر من 30 موقعا إخباريا وغيرها، ووضع رزمة القوانين التي تمس بحرية الصحافة على طاولة المتحاورين في القاهرة في 21 الشهر الجاري لإلغائها فورًا.
إننا نعيش في بيئة عربية ما زالت تحبو في عالم الديمقراطية والحكم الرشيد، وحالة فلسطينية ملتبسة ما بين وقوعنا تحت الاحتلال وسلطة لا تملك قرارها، العامل الخارجي فيها ذو تأثير كبير بفعل اتفاق أوسلو أو التحالفات أو المال السياسي أو غيره، ما يوجب تذكير للجميع أن الحقوق لن تعطى بل تنتزع مهما كان الثمن، وعلى من يفكر بالقمع وتقييد الحريات مراجعة نفسه، ويعي جيدًا أنه قادم إلى غزة! وأننا في عام 2017!