*"لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض"*
(الأعراف: 96)
في قلب المحرقة، وبين نار الغلاء ولهيب الحصار، يُختبر شرف التجار قبل ضميرهم، وتُغربل الرحمة من القلوب كما يُنخل القمح في السنين العجاف. غزة لا تحتاج مزيدًا من اللهب، بل من يخمد النيران ببركة الإنصاف، ومن يردّ عن شعبها الجائع سيف الجشع والاحتكار. فلتكن المحنة فرصة للرحمة، وليرتفع أهل غزة فوق الطمع كما ارتفعت أرواح شهدائهم فوق الظلم.
الأسعار وارتفاعها الجنوني مصاب آخر عظيم في غزة، في ظل محرقة أكلت الأخضر واليابس. والنبي ﷺ يحذر، حيث قال: "من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغلي عليهم، يقعده الله في مكان سحيق في النار" (رواه مسلم). وقد عظم الغلاء في بغداد، حيث بيع العقار بأرغفة خبز، وهرب الناس، وباع المستنصر كل ما يملك وجلس على الحصير.
والغلاء قد يكون من الذنوب مع الإصرار، فهو عقوبة، كما قال الله تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" (الشورى: 30). وبسبب الربا والتسييل المالي المنتشر، وهو: "حرب من الله ورسوله"\ (البقرة: 279)، أو بسبب قلة التراحم، كما قال رسول الله ﷺ: "الراحمون يرحمهم الله" (رواه الترمذي). "نسوا الله فنسيهم".
وأيضًا الحالة الأمنية، والدمار والخراب، والحصار، وعدم إدخال المساعدات والبضائع، والتضخم النقدي، وعدم توفر المواد الأساسية، والتخزين، والهلع والتهافت للشراء بأي سعر، هي أسباب أيضًا للغلاء. فأوصى مالك رضي الله عنه: "أرخصوا البضائع بعدم الشراء". وضعف الرقابة والاحتكار، حيث قال ﷺ: "لا يحتكر إلا خاطئ" (رواه مسلم). وعلماء يعدون الاحتكار من الكبائر، كما قال الحسن رضي الله عنه: "كفى غشا للمسلمين تمني غلاء السعر".
إن مهمتنا، أهل غزة العزة، أن نخفض الأسعار إلى أقل درجة ممكنة. وأولًا يكون ذلك بالتقوى والعودة إلى الله، كما قال تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض" (الأعراف: 96). وباللجوء إلى السلع البديلة، ورفع الظلم، ودعم السلع الرئيسية، وخفض أسعار ورسوم الخدمة، ودعم الفئات الهشة، والتأكد من وصول المساعدات للمستحقين بعدالة، ومراقبة الأسعار والأسواق، والمحاسبة والمقاطعة للتجار رافعي الأسعار، وتنظيم عمليات شراء جماعي، والتكافل كالأشاعرة.
وندعو التجار إلى الاكتفاء بربح قليل، وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق، والاقتصاد في الإنفاق، حيث قال ﷺ: "ما عال من اقتصد". وعدم التخزين، وفكروا بالآخرين. وفوق كل ذلك، أكثروا من الاستغفار والصلاة على النبي ﷺ، وصلة الأرحام.

