في جناح العناية المكثفة بمستشفى شهداء الأقصى، حيث يختلط صوت أجهزة الإنعاش بأنين الجرحى، لفظ الطفل عمر الشريف أنفاسه الأخيرة صباح أمس، متأثرًا بجراح أصيب بها في قصف إسرائيلي استهدف منزلاً في مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة.
الطفل البالغ من العمر (9 أعوام) كان يرقد على سرير العلاج وحيدًا، يئن تحت وطأة الإصابة، لا يعرف أن والدته وشقيقيه سبقوه إلى الموت قبل أيام في استهداف منزل آمن حولته مقاتلات جيش الاحتلال إلى كومة من الركام.

على مدار أعوام طويلة، سكنت عائلة عمر في منزل بمنطقة الكرامة شمال مدينة غزة، وعاشت هناك حياة هادئة وجميلة، لكن مع بدء حرب الإبادة التي شنها جيش الاحتلال في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أجبر جميع أفراد العائلة على النزوح إلى مدينة دير البلح، حيث وجدوا متسعًا في منزل أحد الأقارب.
ومع استمرار الحرب على غزة، دمر جيش الاحتلال منزل العائلة، ولم يعد أمامها سوى البقاء في المنزل الذي أوت إليه ظنًا منها أنه سيكون آمنًا. لكن جيش الاحتلال بالفعل لم يترك مكانًا هادئًا إلا ودكّه بغاراته وضرباته الجوية العنيفة ودمره في اجتياحاته البرية.
وبسبب ظروف قاهرة، أجبر جهاد الشريف، والد عمر، على السفر إلى خارج غزة إبّان الحرب، على أمل أن تلحق به زوجته وأبناؤه هربًا من المقتلة الإسرائيلية، لكن جيش الاحتلال سيطر على معبر رفح، وشدد حصاره المطبق على غزة، مما حال دون سفرهم.
تواصلت "فلسطين" مع أحد أقارب عمر، وعرفت منه أن القصف الذي استهدف المنزل الذي أوت إليه العائلة يوم السبت 17 مايو/أيار 2025، أدى إلى استشهاد 12 مواطنًا، من بينهم والده، وشيماء أبو لبدة، وابنها محمد، وبنتها فاتن.
قال تامر الشريف، من أقارب العائلة التي تعرضت لجريمة إبادة: "مأساة كبيرة حلّت بالعائلة. استشهدت الأم وأبناؤها وبقي عمر يصارع الموت في العناية المكثفة. تحولت جثامين الشهداء إلى أشلاء بسبب القصف الإسرائيلي."
لم يمضِ وقت طويل على الغارة الإسرائيلية حتى نُقل عمر سريعًا إلى مستشفى شهداء الأقصى. أجرى الأطباء له الإسعافات الأولية اللازمة بعد إصابته بحروق من الدرجة الثالثة في غالبية أنحاء جسده. تبين أنه بحاجة إلى عمليات جراحية أجراها له الأطباء في محاولة لإنقاذ حياته.
في غضون ذلك، كان والد عمر يسعى من خارج غزة إلى سفر ابنه وعلاجه خارج أسوار القطاع الذي تضررت منظومته الصحية وخرجت غالبية مستشفياته عن الخدمة بسبب الحرب الإسرائيلية.
لكن طريق السفر لم يكن معبدًا أمام جرحى الحرب والمرضى الغزّيين، بفعل إجراءات التحويل للعلاج في الخارج التي تأخذ وقتًا، وكذلك الحصار والتحكم الإسرائيلي بمعابر غزة، والاقتصار على إخراج عدد محدود أسبوعيًا في حال قرر الاحتلال فتح الطريق أمامهم.
لذلك، لم يكن عمر ضحية الغارة الهمجية الإسرائيلية فحسب، بل راح ضحية حصار إسرائيلي مطبق يعاني منه أكثر من مليوني نسمة يرزحون تحت وطأة حرب دموية أودت بحياة عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين.
قبل أيام، دفنت والدته شيماء وشقيقيه محمد وفاتن. بقي عمر وحيدًا في العناية المكثفة. وبينما كان والده يدعو له من خارج أسوار القطاع، لفظ الطفل أنفاسه، وحيدًا بلا أم ولا أب ولا أشقاء. لم تُقم له جنازة تقليدية بسبب الحرب وغياب الأحبة، ووري تحت الثرى قرب عائلته وسط ظروف مأساوية سيطرت على المشاركين في مواراة جثمانه الصغير.

