فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

*قُل سيروا فِي الأَرضِ ثُمَّ انظُروا* }الأنعام11

درس محرقة غزة المتجدد ليس فقط مأساة أو اختبارًا صعبًا، بل هو مدرسة روحية وإنسانية تجمعنا في لحظات الحياة القاسية، تعلمنا فيها معنى الإيثار والتجرد لله، وكيف نصنع من الألم قوة، ومن الضيق عزة. نعيش لحظاتنا وكأنها الأخيرة، نقتصد في لقمة الماء، نحرص على كل حركة، ونجد في الوحدة مع العائلة والشعب نبض القلب وروح الصمود. مجلس التلاوة اليومي لم يكن مجرد قراءة، بل حوار عميق، تلاقح أفكار، وتشارك حكمة الأجيال، حتى صغارنا صاروا يشاركوننا الرأي والعزم. هنا نولد منهج اتخاذ القرار الجماعي، ونتعلم دروس الحياة من تجارب بعضنا البعض، لنتغير ونرتقي معًا. هذه هي الحياة التي تجعلنا أقوى، وأكثر شفافية وخشوعًا، نعيشها بقلب واحد ووعي يملأ أرواحنا، مستعدين للحظة الغد التي قد تأتي بلا إنذار.

درس متجدد وعدوان عصابات الإبادة على مدار أكثر من سنة ونصف عسيرة كاملة، وملاحقة أمنية كثيرة ومتعددة، وتجسدت فيها معاني عظيمة للتجرد لله وإيثار ما عند الله تعالى، وحياة روحية مختلفة نحيا فيها كل لحظة كأنها الأخيرة. وكذلك حياة اقتصادية حيث عليك أن تقتصد حتى في اللقمة وشربة ماء، وتحتاط بكل شيء حتى في الذهاب للخلاء. ودروس اجتماعية كيف لا تحيا لنفسك وأن تكون مع عائلتك وأهلك وشعبك قلبًا وروحًا وعقلًا، وأن تحيا معهم كما تفعل دائمًا.

كان مجلس التلاوة اليومي فرصة لمزيد من التدارس في آيات الله تعالى، وفتح الله في مزيد من النقاش في مجالات عدة. حيث كان النقاش السياسي في تطورات يوميات محرقة غزة، حتى غدا الأطفال على دراية تامة، بل ويشاركون الرأي. وكذا التشارك العقلي عبر التشاور في شتى المواقف والمستجدات والأمور اليومية الكثيرة التي تهم الجميع، مما أوجد وحدة حال وتقاربًا في الرأي رغم تعدد زواياه. وكانت فرصة لميلاد منهج اتخاذ القرار الجماعي حتى في خصوصية الأمر أحيانًا.

فضلاً عن عرض ما أسميناه "درس اليوم من المحرقة"، بأن يعرض كل فرد درسه الخاص من تجربته التي تعلمها من أحداث اليوم، سواء عبر الاحتكاك في المجتمع أو عبر المتابعة. مما أوجد فرصة للتعلم المتبادل من التجارب المتعددة، والقدرة على التطور السريع، والاستفادة من دروس الآخرين. فضلاً عن يقظة ذهنية لكل صاحب درس في يومه ليتمكن من الإحاطة والخروج بأفضل ما عنده. وهذه كانت دعوة للتغيير الذاتي، واكتساب مزيد من الصفات الإيجابية، والتخلص من سلبيات السلوك. وتطور الأمر في عرض كل شخصية لمزاياها وسبل تطويرها وفق رأي المحيط بها.

كل هذه الأجواء منحت القدرة على وجود درس يومي متجدد من خلال المعايشة، ومن خلال التقارب، ومن خلال الفهم المشترك مع تعدد زواياه. فضلاً عن حياة اجتماعية متعاونة ومتفاعلة متحابة بشكل أكبر وأعمق، وعن وعي في أجواء من شعور ملازم بمعايشة ما يمكن أن يكون اللحظة الأخيرة لأي منا أو لنا جميعًا، وما يصحب ذلك من شفافية وخشوع.

المصدر / فلسطين أون لاين