انطلقت حركة المقاومة الإسلامية حماس مع انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الأولى انتفاضة الحجارة في ديسمبر عام 1987م، ولم تكن انطلاقتها مفاجئة بل جاءت مواتية للظروف السياسية التي كانت تعيش فيها أرضنا الفلسطينية المحتلة في ثمانينيات القرن الماضي.
إن حركة حماس كما هو معروف امتداد لجماعة "الإخوان المسلمون" التي اهتمت بالقضية الفلسطينية اهتمامًا كبيرًا، وكانت ترسل المتطوعين للجهاد على أرض فلسطين، وقد كان لجماعة "الإخوان المسلمون" دور بطولي جهادي على الساحة الفلسطينية بإرسال المجاهدين إلى أرض فلسطين، وتنفيذ حملات جمع تبرعات لدعم فلسطين وجهاد شعبها، فالإخوان في عام 1948م شكلوا الكثير من الفرق العسكرية ووزعوها في غزة لمقاومة الاحتلال الصهيوني، والتاريخ الفلسطيني يشهد للإخوان بدورهم في استرجاع تبة 86 في غزة، ودحر العدو الصهيوني عن قطاع غزة في 23 ديسمبر 1948م.
لقد كان لـ"الإخوان المسلمون" دور مشهود في مقاومة الاحتلال الصهيوني في حرب عام 1967م، واستمر ذلك إلى السبعينيات إذ أسس الإخوان المجمع الإسلامي في غزة، وعمل حينها الشيخ المجاهد الشهيد أحمد ياسين وثلة من الإخوان الأطهار على تشكيل مجموعات الإخوان في غزة لمقاومة الاحتلال، وفي عام 1983م اعتقلت قوات الاحتلال الشيخ أحمد ياسين بتهمة حيازة أسلحة، وتشكيل تنظيم عسكري، والتحريض على إزالة الكيان العبري من الوجود، وحكم عليه بالسجن مدة 13 عامًا، وأفرج عنه عام 1985م في إطار عملية تبادل للأسرى، واستمر عمل الشيخ أحمد ياسين في الدعوة والإعداد بالخطب في المساجد واللقاءات الإخوانية، وحشد الجهود للتعريف بخطورة المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، وكانت خطابات الشيخ الياسين (رحمه الله) لكل الأجيال حتى النساء، واستمرت الجهود والعمل على مدار الساعة إلى أن أسست حركة المقاومة الإسلامية في ديسمبر عام 1987م، وشارك في اجتماعات التأسيس سبعة من المجاهدين الأطهار وكتبوا بيان حماس الأول، ليعلنوا ميلاد حركة عملاقة، واختاروا المصحف والبندقية شعارًا لهذه الحركة الكبيرة.
وللتذكير إن المؤسسين السبعة هم: الشيخ المجاهد أحمد ياسين، والقائد عبد العزيز الرنتيسي، والشيخ محمد حسن شمعة، والشيخ عبد الفتاح دخان، والدكتور إبراهيم اليازوري، والمهندس عيسى النشار، هؤلاء الرجال كان خلفهم الآلاف من الرجال والشباب والشيوخ الذين أخذوا على عاتقهم بداية المشوار الطويل في جهاد المحتلين حتى تحرير أرض فلسطين.
إن حماس اعتمدت منذ انطلاقتها على قواعد وأركان جهادية متينة تعمل على تربية النشء وتهيئته وإعداده إعدادًا قويًّا، وعلى زرع حب الجهاد والمقاومة في قلوب أبنائها وشبابها وشيوخها ونسائها، واستطاعت الحركة أن تكون الوقود والمحرك لانتفاضة الحجارة المباركة بفضل شباب المساجد، وتقدم أبناء الحركة في ميادين المواجهات ضد جنود الاحتلال.
لقد أدرك العدو الصهيوني الخطورة الكبيرة لحركة حماس على دولته المزعومة، فأصبح أعضاء الحركة في دائرة الاستهداف الأولى للعدو، وبدأت الملاحقات والاعتقالات والمداهمات اليومية لمنازل أبناء حماس وللمساجد، وقد كانت حماس في تلك المرحلة تعمل بصمت كبير، تبني وتؤسس وتجهز أبناءها لمرحلة التحرير، وتعمل على تطوير منظومة العمل لديها وتوسيع قاعدتها الشعبية والجماهيرية، وقد استطاعت الحركة بفضل جهازها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام الذي أسس في بداية التسعينيات من القرن الماضي تنفيذ مئات العمليات الفدائية والاستشهادية ضد الاحتلال، وكانت هذه العمليات مؤلمة للكيان الصهيوني، ومنذ تأسيس القسام يعمل رجالها دومًا على تطوير قدراتهم العسكرية، إلى أن استطاعوا تصنيع الصواريخ وتطويرها إلى أن أصبحت اليوم يصل مداها إلى كل مدن الـ(48) المحتلة، واليوم كتائب القسام تتصدر المعركة مع العدو الصهيوني بقدراتها العسكرية والأنفاق التي تعتمد عليها في الدفاع أمام أي هجوم إسرائيلي بري، لذا يحسب الكيان الصهيوني ألف حساب لصواريخ القسام قبل خوض أي معركة عسكرية مع قطاع غزة، وحققت صواريخ القسام معادلة توزان الرعب مع العدو، واستطاعت قصف المدن المحتلة الرئيسة، وبصورة علنية شكلت عقدة كبيرة للعدو الصهيوني في التصدي لهذه الصواريخ التي أرهقته في كيفية مواجهتها ووقفها، ولكن دون جدوى.
إن حركة حماس لم تبدع فقط في العمل العسكري، ومواجهة حروب تدميرية ثلاثة شنها العدو الصهيوني على قطاع غزة بدأت أواخر عام 2008م، بل إنها أبدعت أيضًا في الحكم، وصمدت في مواجهة الحصار وإغلاق المعابر، ومواجهة الرباعية الدولية، التي رفضت الاعتراف بحكومة حماس، واستطاعت الحركة أن تخوض غمار الحكم في واقع أليم وصعب، أبلت فيه بلاء حسنًا في إدارة الحكم، وتيسير أمور قطاع غزة في حقول من المعاناة والآلام بسبب سياسة الحصار وإغلاق المعابر، فإنها تحدت بقوة هذه الظروف وسارت في سفينة الحكومة دون الاستسلام أو رفع الراية البيضاء، لتكون أنموذجًا في الصمود والعطاء وتحدي ظلم المجتمع الدولي.