فلسطين أون لاين

​بلفور.. نتائج كارثية من النكبة حتى التنسيق الأمني

...
غزة - عبد الرحمن الطهراوي

لا تزال آثار وعد بلفور الصادر بتاريخ 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917، تضرب بإطنابها الكارثية الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية، إذ فتحت رسالة اللورد "آرثر جيمس بلفور" الطريق لتأسيس وطن قومي لليهود على وقع تشريد الشعب الفلسطيني بسلاح العصابات اليهودية المدعوة بريطانيا.

وتعد نكبة الفلسطينيين التي أعقبت الوعد بقرابة ثلاثة عقود، من أبزر التداعيات الكارثية التي ترتبت على إصدار وعد بلفور، تبع ذلك الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين التاريخية وصولا إلى ضياع القضية الفلسطينية على طاولة مفاوضات التسوية بين الاحتلال والسلطة عقب توقيع اتفاقية أوسلو 1993.

مؤامرة دولية

ويوضح رئيس منتدى القدس الثقافي في الأردن، د. سحق الفرحان أن وعد بلفور جاء كنتيجة مباشرة لاتفاقية سايكس بيكو الموقعة في مايو 1916، فاجتمعت الدول الاستعمارية الكبرى آنذاك لإيجاد طريقة للخلاص من اليهود في أوروبا، فكانت الفكرة إنشاء وطني قومي لليهود على أرض فلسطين.

ويقول الفرحان لصحيفة "فلسطين": "بدأت التداعيات الوخيمة للوعد تبرز تباعا، فمجرد ارسال وزير خارجية بريطانيا "بلفور" لرسالته إلى الحركة الصهيونية، ضاعت فكرة الدولة الفلسطينية والهوية الإنسان الإسلامي والعربي الذي كان يعيش على تلك الأرض، وحل بدلا من فكرة الاستعمار والمستوطنين اليهود".

ويضيف "كان من تباعات الوعد إصدار عصبة الأمم المتحدة قرار الانتداب البريطاني على فلسطين، والذي خدم بشكل أساسي اليهود وأهداف الحركة الصهيونية فازدادت وتيرة الهجرة اليهودية من بقاع أرض نحو فلسطين، حتى جاء قرار التقسيم (181) الذي أعطى لليهود دولة على مساحة 55% من فلسطين ثم تبع ذلك بعام نكبة الـ48".

ويصف الفرحان التداعيات المترتبة على إصدار الوعد بـ "المؤامرة الدولية"، التي كشفت حجم التواطؤ الغربي مع الحركة الصهيونية في كيفية الانحياز إلى اليهود والتعاطف معهم في سبيل إنشاء وطن جامع لليهود، مؤكدا أن ذلك التواطؤ يستلزم اعتذار صريح للفلسطينيين من بريطانيا أولا والأمم المتحدة ثانيا.

ويشير إلى أن الدعم الأوروبي والغربي لإنشاء الكيان الصهيوني كان بهدف إنشاء جسر للمصالح الاستعمارية في الشرق الأوسط، حيث تكون (إسرائيل) رأس حربة تستهدف الأقطار العربية وتمنعها من الاتحاد فيما بينها، الأمر يجب أن يدفع الدول العربية للوحدة كخطوة أولى لمعالجة تداعيات بلفور على الصعد المختلفة.

نتائج كارثية

بدوره، عد أستاذ العلوم السياسية عبد الستائر قاسم نكبة 1948 بمثابة النتيجة الكارثية الأولى لوعد بلفور، إلا أن الأحداث التي عاشتها فلسطين والمنطقة العربية عقب ذلك التاريخ وما زالت تحياها حتى الوقت الجاري، لا تقل بشاعة عن نتائج وعد بلفور.

ويقول قاسم لصحيفة "فسطين": "إن كان هدف الوعد زرع كيان غاصب يقسم الشعوب العربية والإسلامية ويبث بينهم النزاعات، فإن الوقائع التاريخية الحالية تشير إلى أن المنطقة مقسمة أكثر مما كان يطمح له بلفور والصراعات الطائفية والدينية والقومية تزداد فتيلتها بشكل جنوني".

وعلى صعيد تداعيات بلفور على الفلسطينيين، يضيف قاسم "السلطة القائمة حالية التي جاءت عقب تخلي منظمة التحرير عن الكفاح المسلح والاعتراف بدولة الاحتلال، هي من النتائج الوخيمة التي ترتبت على الوعد، وما أعقب ذلك من صراعات على "كعكة السلطة" وصولا إلى التنسيق الأمني العلني مع الاحتلال والانقسام بين غزة والضفة".

ويبين أن الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني اليوم في ظل الاحتلال الإسرائيلي تتطلب بشكل فوري وجود قرار فلسطيني بحت يعمل على إحياء وتعزيز روح المقاومة الشاملة بجميع تصنيفاتها، ثم الانسلاخ عن جميع مترتبات اتفاقية أوسلو بجانب استنهاض الفكر الوطني التحرري.

وينوه قاسم إلى أن الرهان على موقف الهيئات والأنظمة الدولية الكبرى من أجل ارجاع الحقوق وإنهاء كوارث بلفور سيكون رهان خاسر، فالعالم لن يحترم إلا القوي والمتشبث بحقوقه الأساسية دون أي تفريط أو مساومة على طاولة المفاوضات العبثية.

بداية المأساة

بدوره، يذكر الباحث في التاريخ المعاصر د. معتصم ناصر إن "وعد بلفور كان بداية مأساة الشعب الفلسطيني بعدما تبنت بريطانيا فكرة إقامة وطن قومي لليهود بالتحالف مع الدول الأوروبية الكبرى التي توحدت فيما بينها على قاعدة المصالح السياسية المتبادلة".

ويوضح ناصر لصحيفة "فلسطين" أن انعكاسات وعد بلفور لم تصب فقط الفلسطينيين بل وصلت إلى جميع دول العالم العربي والإسلامي، حيث كانت غاية الدول الداعمة للوعد تجزئة المنطقة بين شقيها الأسيوي والأفريقي ونشر الفتن بين الأفراد.

ويلفت إلى أن حالة الصراعات الداخلية التي تعاني منها المنطقة العربية والإسلامية وتقسيم الدول الكبرى إلى دويلات صغيرة، وانشغال تلك الدول بشؤونها الداخلية على حساب الاهتمام باسترداد الحقوق الفلسطينية، هي من نتائج وعد بلفور، التي بدأت بالظهور بشكل تدريجي مخطط لها.

ويوضح ناصر أن تداعيات بلفور التي ما زالت ماثلة للآن تستلزم إحياء الوعي العربي بخطر دولة الاحتلال الإسرائيلي وكشف الحقائق التي زيفتها الدول الكبرى قبيل وبعد إصدار الوعد، مؤكدا على ضرورة المطالبة بالاعتراف بهذا الجرم مع الاعتذار للمظلومين والشروع بتصحيح الخطأ.