ثمة أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات حتى تتضح صورة استهداف نفق المقاومة، ماذا ولماذا وكيف؟ وآليات الإنقاذ وارتقاء عدد كبير من الشهداء من سرايا القدس وكتائب القسام، وقراءة التفاصيل بعمق، وقرار الاحتلال في العدوان وتوقيته وأهدافه، لكنها تبقى بيد المقاومة لاستخلاص العبر والدروس.
جيش الاحتلال يعتبر ما حدث إنجازًا في التخطيط والتنفيذ، ونتنياهو في غاية السرور، فالحدث سيحرف الأنظار -ولو مؤقتًا- عن مشهد التحقيق معه وزوجته حول الفساد، وبغض النظر هل كان هدف الاحتلال تدمير النفق فقط أم تدميره وإيقاع القتل بالمقاومين، لكنه حتمًا خطط لتغيير المعادلة القائمة بينه وبين المقاومة بعد عدوان 2014، وتعبيراته واضحة من خلال القصف المتواصل على مواقع عسكرية وتوغلات برية وبناء جدار فاصل على الحدود، وطائراته ومناطيده التي لا تغادر سماء غزة، إضافة إلى النشاط المحموم لعملائه على الأرض واغتيال القائد مازن فقهاء ولا أعتقد أن محاولة اغتيال اللواء توفيق أبو نعيم عنه ببعيد!
ما يحدث هو اختبار بالنار –وصل للدم- بين الاحتلال والمقاومة وكيفية تعاطي كل منهما مع التطورات الميدانية، بيد أن الاحتلال يدرك –للأسف- أن المقاومة الفلسطينية مكشوفة عربيا، ويحاول تثبيت معادلة ردع جديدة وحسم اختراق أي نفق إلى داخل "إسرائيل"، فالأنفاق تمثل رعبًا قاتلًا للإسرائيليين ويسعون بكل ما يملكون من قوة وتكنولوجيا وتقنيات وعلوم وهندسة ونشاطات بشرية إلى الحد منها، وقد يستطيع تحقيق نجاح هنا أو هناك.
حجم الجريمة كبير ويستدعي بحثًا ودراسة من الكل الفلسطيني من أجل المصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني وتناغمًا دقيقًا بين السياسي والعسكري، آخذين بالاعتبار البيئة السياسية الداخلية والإقليمية والدولية وحتى بيئة العدو وحسابات الربح والخسارة الوطنية عند اتخاذ القرار، والمقاومة مطالبة بمراكمة القوة، وعدم اتخاذ أي قرار انفعالي أو عاطفي.
قيادة المقاومة مطالبة بالتفكير بعقل جمعي باتجاه الوحدة الوطنية وتعزيز المصالحة على قاعدة الشراكة السياسية ومبدأ الوحدة في القرار والدم، وتحويل التحدي إلى فرصة ونقطة قوة، والخروج بقرار مشترك يحفظ لشعبنا وحدته وعزته وردع الاحتلال حتى لا تفتح شهيته لجرائم أخرى.
إن من المحظور أن يفهم الاحتلال أن المقاومة ستبقى صامتة إزاء اعتداءاته وجرائمه، وفرض معادلة جديدة مفادها استيعاب كل ضربة من الاحتلال ليصبح مع الوقت تقبلها والسكوت عنها عملا سياسيا عقلانيا يزيد من غطرسة الاحتلال، ما يستدعي التوافق على استراتيجية وطنية مشتركة لمواجهة "الفخ الإسرائيلي" في التصعيد العسكري بين الفينة والأخرى، والمتوقع استمراره وبحجج واهية ما يعني مزيدا من الدماء والأرواح الفلسطينية، وهو ما يعني بالضرورة رسالة فلسطينية موحدة وواضحة للاحتلال أن اللعب بالنار ثمنه غالٍ جدا، مع الأخذ بالاعتبار ألا يكون تصعيدا كبيرا ومكلفا أو يتدحرج إلى حرب جديدة، إنما هدفه الحفاظ على قوة الردع وتعظيمه وتثبيت قواعد الاشتباك وعدم استمراء الجبهة الداخلية.
من الخطأ أن يترك للعدو اختيار زمان ومكان المعركة بل هي خطيئة، ولذلك ينبغي ألا تتعامل المقاومة بمنطق رد الفعل وإنما بالتخطيط الدقيق والتوقيت المناسب والتنفيذ الصامت أحيانا.
ولا أشك أن المقاومة وقيادتها ستبدع في اختلاق سبل للرد، وبضربات ذكية حكيمة وموجعة تصوب المعادلة والردع المقابل، وقد لا يكون بالضرورة الإعلان عنها أو تكون في ساحة غزة ومحيطها، لكنها تحقق الرد المطلوب ضد الاحتلال وتلجمه عند أي تفكير أحمق.