قال مسؤول أميركي ومصدر مطلع على الأمر من دبلوماسي أوروبي لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني إن قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي كان من شأنه إنشاء آلية للمساعدة في التحقيق في الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تم تخفيفه بعد ضغوط من خلف الكواليس من جانب الولايات المتحدة.
وتدعو الصيغة النهائية للقرار، الذي اعتمده المجلس هذا الأسبوع، الجمعية العامة للأمم المتحدة فقط إلى "النظر في إنشاء" مثل هذه الهيئة، ومع ذلك، كانت المسودات السابقة للقرار ستتضمن إنشاء الآلية، وهي مبادرة يقول الخبراء إنها كانت قوية في التحقيق في الجرائم الخطيرة في سوريا وميانمار .
وقبل إقرار القرار، اقترح رئيسا لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في رسالة بتاريخ 31 مارس/آذار إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن أي دولة عضو أو كيان في الأمم المتحدة يدعم مثل هذه الآلية قد يواجه عقوبات أمريكية.
ومع ذلك، فمن الواضح من المسودات المتاحة للعامة أن إنشاء الآلية قد حُذف من القرار، إلى جانب التفاصيل المتعلقة بكيفية عملها، قبل عدة أيام من إرسال خطابهم.
مرفق الصورة لـ "النص النهائي للقرار الذي يوضح التغييرات التي طرأت في 26 مارس/آذار 2025 (موقع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة)"
وقال مسؤول أميركي لـ"ميدل إيست آي" إن القرار تم تغييره نتيجة للضغوط الأميركية التي يُعتقد أنها حدثت على أعلى المستويات في السلطة الفلسطينية.
وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له التعليق: "لقد نجحنا في إقناع السلطة الفلسطينية بتخفيف القرار الذي يطالب بإرسال بعثة لتقصي الحقائق". وأضافوا أن المشروع تم تعديله إلى "النظر في إنشاء".ولم تصدر السلطة الفلسطينية ولا البعثة الفلسطينية في جنيف أي تعليق على هذه المعلومات رغم محاولات الموقع المتكررة للحصول على رد.
ملاحقة الجناة من المستوى الأدنى
هناك العديد من الجهود الجارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي كان من الممكن أن تكملها الآلية القانونية وتساعدها، ولكن من المرجح أيضاً أن تمهد الطريق لآفاق جديدة.
كان من شأن الآلية القانونية المقترحة أن تُكمل وتدعم الجهود الجارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما كانت مرشحة لفتح آفاق جديدة في ملاحقة مرتكبي الانتهاكات.
وتُحقق المحكمة الجنائية الدولية حاليًا في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في “إسرائيل” والأراضي الفلسطينية، في سياق وقائع تعود إلى ما بعد 13 حزيران/ يونيو 2014.
كما تعمل لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان على تقصي الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وفي إسرائيل، منذ 13 نيسان/ أبريل 2021.
تقول بلقيس جراح، المديرة المساعدة في برنامج العدالة الدولية في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إن هذه التحقيقات تتناول انتهاكات متشابهة لكنها تنطلق من أهداف ومقاربات مختلفة. وأوضحت أن المحكمة الجنائية الدولية تركز على المسؤولين رفيعي المستوى، إلا أن مواردها المحدودة لا تسمح لها إلا بمتابعة عدد محدود من القضايا.
أما لجنة التحقيق، فهي تهدف إلى تقديم رصد شبه فوري للأحداث الجارية، وتوجيه توصيات إلى المجتمع الدولي بشأن الانتهاكات الموثقة، مع إمكانية المساهمة في التحقيقات الجنائية مستقبلاً.
وتضيف جراح: “كانت الآلية المقترحة لتلعب دورًا محوريًا من خلال دعم وتبادل المعلومات مع الهيئات القضائية التي تنظر في المسؤوليات على مختلف المستويات”. وأشارت إلى أن معايير إنشاء مثل هذه الآلية تكون عالية، نظرًا لكون الهدف منها تقديم أدلة صالحة للاستخدام في المحاكم.
وقد شكّلت تجربة الآلية الدولية المستقلة والمحايدة الخاصة بسوريا، التي أُنشئت عام 2016، نموذجًا ناجحًا، حيث استخدمتها السلطات القضائية في السويد وألمانيا وفرنسا في ملاحقات قضائية ضد مسؤولين سوريين.
وتقول جراح: “حالة سوريا أثبتت مدى فعالية هذا النوع من الآليات في دعم القضايا الجنائية”. وفي السياق ذاته، أفاد مسؤولان فلسطينيان سابقان لـ “ميدل إيست آي” بأن خضوع السلطة الفلسطينية للضغوط الأمريكية بشأن هذه الآلية لم يكن مفاجئًا بالنسبة لهما. وذكر أحد المسؤولين السابقين: “لم أفاجأ إطلاقًا”.
وأشار إلى الخطاب الإعلامي الصادر عن السلطة الفلسطينية عقب إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وأوضح أن السلطة الفلسطينية نسبت الفضل في تلك المذكرات إلى “دبلوماسية الرئيس محمود عباس الهادئة” مع المنظمات الدولية في انتقاد مبطن لحركة حماس إلى إمكانية تحقيق إنجازات كبيرة للفلسطينيين “دون أن يُرتكب بحقنا إبادة جماعية”.
لكن المسؤول السابق قال إن سلوك السلطة في الأشهر الأخيرة يناقض مزاعمها، مضيفًا: “لو كانت جادة فعلًا في ملاحقة إسرائيل عبر المحكمة الجنائية، لكانت قد اتخذت خطوات واضحة خلال الشهور الماضية، لكنها لم تفعل”.
وتساءل: “لماذا لم تمارس السلطة ضغوطًا على الدول لاعتقال نتنياهو؟ لماذا لم تستدعِ سفراء فرنسا وإيطاليا واليونان عندما فتحوا مجالهم الجوّي لنتنياهو ليتوجه إلى الأمم المتحدة؟”.
وقد اعتبر أنه من الصعب فهم دوافع السلطة، مرجحًا أن يكون هدفها “عدم إعطاء الأمريكيين ذريعة لدعم إعلان ضم الضفة الغربية”، وهو أمر يُتوقع حدوثه خلال أسابيع. وأضاف: “المشكلة أنهم لا يحصلون على أي ضمانات في المقابل”.
مع ذلك، ليس واضحًا ما هو النفوذ الذي قد تستخدمه السلطة الفلسطينية. فاقتصاد الضفة الغربية المحتلة في حالة انهيار، وقد علّقت الولايات المتحدة الكثير من المساعدات الخارجية للسلطة الفلسطينية.
وفي الوقت نفسه، ينظر الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة إلى السلطة الفلسطينية على نطاق واسع باعتبارها عميلاً فاسداً لإسرائيل، وهي عوامل تزيد من اعتمادها على الدول الأوروبية من أجل الشرعية.
وقال المسؤول السابق الثاني إن شرعية السلطة الفلسطينية، في غياب الانتخابات لمدة 17 عاما، "أصبحت في أيدي الإسرائيليين".
وقال إن "وجودهم مرتبط بالاحتلال كما أصبح واضحا، وهم غير قادرين على فعل أي شيء لقطع علاقتهم به على الإطلاق".