فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

تقرير "كل شيء حدث في لحظة".. طفلان ناجيان يرويان تفاصيل مروِّعة لمجزرة "دار الأرقم"

...
طفلان ناجيان يرويان تفاصيل مروِّعة لمجزرة "دار الأرقم"
غزة/ جمال محمد:

ملأ الغبار المكان، وغطى الدخان الكثيف السماء، في حين كانت صرخات الاستغاثة تتعالى في كل زاوية من ساحة مدرسة دار الأرقم في حي التفاح بمدينة غزة، وألسنة اللهب تلتهم الجدران المتداعية، والصوت المدوي للقصف يتردد في الأفق.

كانت الأرض ترتجف تحت وقع الانفجارات المتتالية، في حين كان الحطام يتناثر حول الجميع، كما لو أن السماء قد انقضت على الأرض نفسها.

في وسط هذا الجحيم، كان قلب محمود الجدبة، الذي لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، يخفق بشدة، وهو يحاول الهروب من أهوال القصف الذي استهدف المدرسة بشكل مفاجئ.

كان يلعب في ساحة المدرسة مع أصدقائه، يعيش لحظات من الطمأنينة وسط الضجيج اليومي لحياة النازحين، قبل أن تتحول تلك اللحظات إلى كابوس.

هروب من الجحيم

يقول الجدبة، لصحيفة "فلسطين" وهو يحاول استرجاع تفاصيل تلك اللحظات المروعة: "كل شيء حدث في لحظة، طائرة الاحتلال الحربية من نوع أف "16" كانت تحلق في السماء، وبعد لحظات فقط، انفجر صاروخ في المدرسة، وغطى المكان غبار كثيف، ولم أستطع رؤية شيء".

ووسط الدخان الكثيف، هرب "الجدبة" من المدرسة وهو يركض باتجاه منزله المدمر في حي التفاح، كان لا يدري أين يذهب أو ماذا يفعل، ولكنه كان يعرف أن عليه الهروب من الجحيم الذي كان يلاحقه.

ويتابع بحزن: تركت أمي وأبي وإخوتي ورائي، ولم أكن أعرف إذا كانوا على قيد الحياة أم لا، كان كل شيء حولي مهدمًا، وكأن الأرض قد ابتلعت كل شيء، هرعت نحو أنقاض منزلنا، ولكنني شعرت بالخوف، وكان لدي شعور بأنني لا أستطيع العودة.

جلس الطفل على أنقاض منزله، وكانت عينيه تراقبان المكان، وقلبه يثقل بالقلق، مرت دقائق وكأنها سنوات، قبل أن يعود لمدرسته محاولًا البحث عن عائلته، ولكن القصف كان لا يزال مستمرًا، ليغمر المكان من جديد بالغبار والدمار.

ويردف: "عندما عدت، سقطت صواريخ جديدة على المدرسة، وكانت الأرض تهتز تحت قدمي، كان الدخان كثيفًا جدًا يحجب الرؤية".

ويواصل حديثه: في تلك اللحظة، بدأت أصوات سيارات الإسعاف والدفاع المدني تعلو، وهي تهرع لنقل الجرحى والشهداء، فكانت الجثث متناثرة في كل مكان، والركام يغطي من كان تحت الأنقاض. ويستحضر الجدبة المشهد، قائلًا: "كنت أراقب المكان، وأخشى أن أجد أحد أفراد عائلتي بين الشهداء، لكنني كنت أتمسك بالأمل في أنني سألتقي بهم سالمين".

وبينما كان في حالة من الفزع، التقى بصوت مألوف جاء من بين الركام، كان صوت والده الذي تمكن من الوصول إلى المكان، ليسأله عن أمه وشقيقاته، ولكنه لم يكن يعرف ما إذا كانوا قد نجوا أم لا.

وفي تلك اللحظة والقول للجدبة: "أخبرني أحد النازحين أن أمي بخير، ولكن شقيقاتي أصبن بجروح متوسطة، شعرت بارتياح مؤقت، لكنني كنت أعرف أن الوضع كان لا يزال مقلقًا".

صرخات الأطفال

وعلى مقربة منه تجلس شقيقته آيات (15 عامًا)، تقول: "كنا نلعب في الساحة مع بعض الزميلات، فجأة سقط صاروخ على أحد الطوابق، فانتشر الغبار في كل مكان، ولم أتمكن من الوقوف على قدمي من شدة الفزع.

وتضيف بحزن، ويداها ترتجف من الخوف وهي تستحضر المشهد لصحيفة "فلسطين": لا أستطيع أن أصف لكم كيف كانت صرخات الأطفال، كانت وكأنها صرخات استغاثة في الظلام.

وتشير إلى أن النازحين كانوا يحاولون الترويح عن أنفسهم، وكان هناك بعض الشبان يلعبون كرة الطائرة في الساحة، ولكن في لحظة واحدة، سقط الصاروخ، ودمر أجزاء كبيرة من المدرسة بشكل كامل على رؤوس النساء والأطفال.

وتذكر آيات، وهي واحدة من الناجيات، تفاصيل القصف المروع، قائلة: "شظايا القصف كانت تتطاير في كل مكان، وكان الجميع يركضون هاربين، ولكن الكارثة كانت في أن الجميع كان يقع بين الشهداء والجرحى.

ولجأت الطفلة، وعائلتها إلى الإقامة في إحدى منازل أقاربها، في مدينة غزة، بعد تدمير مركز إيواء مدرسة، دار الأرقم، على رؤوس من فيه.

ومجزرة مدرسة دار الأرقم، كانت واحدة من أبشع المجازر التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب الإبادة الجماعية، على قطاع غزة، والتي بدأها الاحتلال في أكتوبر 2023.

وأسفرت المجزرة عن استشهاد 29 شخصًا، بينهم 18 طفلًا وامرأة وكبار في السن، إضافة إلى أكثر من 100 مصاب، بحسب مصادر طبية.

وتواصلت حرب الإبادة الجماعية بحق المدنيين والأبرياء العزل في قطاع غزة، ومعها تواصلت المجازر والدمار، مخلفة أكثر من 165 ألف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود على مدار 18 شهرا.

المصدر / فلسطين لأون لاين