محمد نازك الكفارنة رئيس بلدية بيت حانون السابق، الرجل الذي أبى أن تضعف عزيمته أمام التحديات، أصبح رمزًا من رموز الصمود والوطنية في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة.
كان أول رئيس بلدية منتخب في المدينة، ونجح في الفوز بأغلبية الأصوات في انتخاباتها، ما يعكس محبة سكان البلدة له، واعترافهم بكفاءته.
عمل الكفارنة لمدة 15 عامًا في رئاسة البلدية، وكان معروفًا بابتسامته العريضة وحبه للناس، وكان دائمًا محبًا للجميع، لا يرد أحدًا، وكان يسعى لإرضاء الجميع دون تكبر أو تعالٍ، هكذا يصفه ياسين أبو عودة، مدير العلاقات العامة في بلدية بيت حانون.
ويذكر أبو عودة لصحيفة "فلسطين"، أن الكفارنة، كان يتعامل مع الجميع، بدءًا من كبار المسؤولين وصولاً إلى موظفي البلدية البسطاء، وكان يحب أن يجلس مع عمال النظافة للاستماع إلى شكاويهم ويعمل على حلها.
التحق الكفارنة، برئاسة بلدية بيت حانون في 8 فبراير 2005، وكان دائمًا يسعى لتطوير بلدته وإعادة بنائها، وفي عام 2014، عندما دمر الاحتلال الإسرائيلي البلدة خلال حربه على قطاع غزة، لم ييأس وبدأ على الفور في البحث عن مصادر التمويل لإعادة إعمارها، وكان له الفضل في الحصول على منحة كويتية ساعدت في إعادة بناء المدينة وتطويرها.
وأنشأ استادًا رياضيًا وملاعب جديدة، والقول لأبو عودة، كما قام بتوسيع مستشفى بيت حانون وإنشاء متنزهات جديدة لتحسين جودة الحياة في المدينة.
وخلال سنوات عمله، كان رئيس البلدية السابق، يعاني من مشاكل صحية، حيث كان يعاني من إصابة في الغضروف، ولكنه لم يسمح لهذه الآلام بتثبيطه، فكان يصر على زيارة المواطنين في بيوتهم، لا يعبأ بالمشقة، وكان دائمًا يسعى لمتابعة أحوال المدينة واحتياجاتها.
وأكد أبو عودة، أنه لم تحدث أي مشكلة بينه وبين الموظفين طوال فترة عمله، حيث كان معروفًا بمصداقيته واحترامه للجميع.
وكان الكفارنة، لا يتوقف عن الدعوة إلى العمل الجاد من أجل بناء مستقبل أفضل للبلدة وسكانها، والقول لأبو عودة، الذى تابع قائلًا: كان في كل مرة يزور فيها المناطق التي دمرتها الحروب، كان يضع نصب عينيه على إعادة بناء تلك الأماكن، وهو ما تحقق بالفعل خلال فترة توليه رئاسة البلدية.
عُرف عن محمد نازك الكفارنة، أنه كان دائمًا يحرص على ثبات أهالي بيت حانون في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ومع اندلاع حرب الإبادة الجماعية على القطاع في 7 أكتوبر 2023، كان يواصل توجيه رسائل الأمل والصمود إلى السكان، داعيًا إياهم إلى التحلي بالصبر في مواجهة العدوان.
ويشير أبو عودة، إلى أن الكفارنة، لم يكن يقتصر على الدعوة فقط، بل كان يتنقل بين مراكز الإيواء ومخيمات النازحين، يزورهم ويشجعهم على التمسك بأرضهم.
ويكمل: ولكن الحروب لا تبقي أحدًا، ففي 19 يناير 2024، بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، عاد الكفارنة، إلى منزله المدمّر في بيت حانون.
ويلفت إلى أنه ورغم تدمير منزله، إلا أنه ظل متمسكًا بفكرة العودة إلى بلدته ومواصلة الحياة فيها، قبل أن يضطر مجددًا للانتقال إلى مركز الإيواء بسبب الأوضاع الأمنية السيئة في المنطقة.
لكن الكفارنة، والقول لأبو عودة، لم يقدر له أن يواصل هذه المسيرة، إذ تم استهدافه في مجزرة إسرائيلية مساء 3 أبريل، في مدرسة دار الأرقم في حي التفاح شرق مدينة غزة.
وكانت تلك المدرسة مأوىً لآلاف النازحين من قطاع غزة، من بينهم عائلة الكفارنة، وقد استشهد الكفارنة مع ابنه الكبير أحمد وزوجة ابنه الحامل بتوأم، فيما نجا أولاد ابنه أحمد الأربعة من المجزرة بعد أن كانوا يلعبون في ساحة المدرسة.
ويلفت إلى أن "أحمد"، نجل الكفارنة، الذي يبلغ من العمر 36 عامًا، قد رفض ترك والده وحيدًا أثناء الحرب، وكان يقف إلى جانبه طوال الأوقات العصيبة، ولم يكن يعرف الاستسلام أو الخوف، رغم الظروف الصعبة التي كانت تمر بها العائلة، والقطاع بشكل عام.
ويؤكد أن رئيس البلدية كان دائمًا يردد: "سننتصر وسنعيد إعمار قطاعنا".
ورئيس البلدية السابق، الكفارنة، كان أبًا لأربعة أولاد وسبعة بنات، ورغم فقدان بيته وممتلكاته في الحرب، إلا أنه كان دائمًا يفضل أن يبقى بالقرب من وطنه وأبناء بلدته، رافضًا مغادرة القطاع أو الانتقال إلى مناطق يزعم الاحتلال أنها "آمنة" في الجنوب، متحليًا بإصرار كبير على أن يكون إلى جانب شعبه في أحلك اللحظات.
وشكل رحيل محمد نازك الكفارنة، صدمة كبيرة للعديد من سكان بيت حانون، الذين فقدوا رجلًا كان لهم الأب والمربي والقائد، لكن سيرته العطرة ستظل حيّة في ذاكرة أهل المدينة، الذين لن ينسوا إسهاماته الكبيرة في تطوير مدينتهم وبناء مستقبل أفضل لهم، رغم كل التحديات.
والتحق الكفارنة، بنجله، الشهيد عدنان، الذي ارتقى خلال استهدافه من قبل طائرات الاحتلال الإسرائيلي بعد عودته إلى بيت حانون، لتفقد منزله هناك، بعد توقيع الفصائل والاحتلال الإسرائيلي بوساطة قطر ومصر وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية اتفاق يقضى بوقف إطلاق النار في 19 يناير الماضي، لكن الاحتلال وكعادته نقض الاتفاق وارتكب مجازر عدة منذ 18 مارس الماضي.