جرت العادة منذ قديم الزمان أن يقدم الرجل للمرأة مهراً لكي يتزوجها, ولم تقتصر هذه العادة على العرب بل شملت الأعاجم والمجتمعات كافة, وإن نشزت بعض المجتمعات وعكست الآية كما يحدث في بعض المناطق في الهند, حيث تقدم الزوجة المهر للزوج وهذا بدوره أدى إلى قتل بعض الآباء لبناتهم, لعجزهم المادي عن تقديم المهر للعريس.
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف نشأت هذه العادة التي أصبحت واجباً شرعياً على الرجل المسلم وواجباً ثقافياً على غيره من غير المسلمين؟ والإجابة أن الله سبحانه وتعالى فطر الرجل على البذل من أجل الحصول على المرأة التي يختار، وبهذا فإن العطاء من قبل الرجل للمرأة فطرة وطبيعة يشعر كل منهما بالسعادة والأهمية بتطبيقها.
إن العثرات التي مر بها المجتمع الغزي هي التي أفضت إلى تغيير الفكر الذي قلب الطبيعة والفطرة لدى كل من الرجل والمرأة على حد سواء. الفقر والبطالة والحصار وقلة الفرص هي التي جعلت الرجل يفكر قبل أن يمارس العطاء بتلقائية, وهي التي حولت مشاعر السعادة لديه في المنح إلى نشوة الاستغلال وتوقع المنح المادي من الزوجة واعتبار هذا الأمر واجباً تحاسب عليه المرأة عند التقصير.
وقد بدأ الأمر باستحلال مصاغ الزوجة, فتبدأ العائلة بتدبير تكاليف الزواج على أن يتم السداد من خلال بيع مصاغ الزوجة في أقرب فرصة, وقد يكون هذا الأمر قد حدث للمرة الأولى دون تخطيط وبرضا الزوجة وبمرور الزمن تحول إلى عادات انتشرت بجنون, ساحقة في طريقها حق المرأة التي كفله لها الشرع والقانون.
وباستباحة ما يقدمه الزوج لزوجه قبل الزواج, أصبح الاستيلاء على ميراثها فيما بعد أمراً طبيعياً, فهو أولى بهذا الميراث من إخوانها الذين يدورون في نفس الدوائر التي لا نهاية لها. ومع تطور المجتمعات, انتشرت فكرة الزواج من موظفة بغض النظر عن تناسب صفاتها الأخرى مع الزوج, وغطت ميزة العمل على المميزات الأخرى, ورجحت كفة الوظيفة, وسعت النساء خلف الفتاة الموظفة بكل همة, دون الشعور بالحرج عند البحث عنها والتحري حول مقدار الراتب الشهري الذي تتقاضاه, والأمان الوظيفي الذي تتمتع به, وشيئاً فشيئاً أصبح هذا الأمر مقياس جودة العروس وقيمتها.
الموظفة تكسب الجولة كعروس
وهنا تكون الأم التي تبحث لابنها عن زوجة موظفة هي التي غيرت طبيعته وشجعته على أن يأخذ بدل أن يمنح. لكن من أين جاءت هذه الفكرة للمرأة التي من المفترض أن تكون طبيعتها مختلفة وتعرف معنى أن يكون ولدها صاحب القوامة المادية في بيته؟ إن هذه الأم قد تماهت مع ما وقع عليها أو على أمها من ممارسات مخالفة للطبيعة, فقامت بها دون وعي حتى أصبحت ثقافة موروثة من جيل إلى جيل, منذ أن بدأت المرأة في خوض غمار العمل والخروج من بيتها لأداء الوظيفة.
كم من بيت هدم وقلب كسر وأطفال شتتوا بسبب مخالفة هذه الطبيعة؟
إن عدد حالات الطلاق التي تسببت بها مخالفة الفطرة واستباحة الرجل لمال زوجته لا تحصى والأمر في تنامٍ وتزايد كبير, وبينما يدور الصراع المادي بين الزوجين, تتفكك الأسرة ويسحق الأبناء تحت رحى المادة. ولكي نتخلص من هذه الموروثات الثقافية المدمرة لطبيعة الإنسان الجميلة التي فطرنا الله عليها, علينا أن نعي الدور الخطير الذي نؤديه في تعزيز هذه الأفكار لدى أبنائنا, فالمرأة التي لا تربي ابنها على البذل, وتعزز فطرة العطاء لديه, هي التي تهدم المجتمع وهي التي تصنع من ابنها شخصاً فاقداً للعطاء، لا يشعر بالخجل عند استباحة مال زوجته دون رضاها, معللاً ما يفعل بأن العادة جرت على أن مال الزوجة لزوجها, وهذا لا يعفي الزوجة من القيام بكل المهام التي أسندها لها المجتمع مهما كانت وعليها أن تكون ممنونة في النهاية لأنها اقترنت برجل.