فلسطين أون لاين

تقرير التَّفاوض مع حماس... لماذا كسرت " إدارة ترامب " المحظور؟

...
التَّفاوض مع حماس... لماذا كسرت " إدارة ترامب " المحظور؟
الناصرة - غزة/ محمد عيد:

أحدثت تصريحات رموز إدارة الرئيس دونالد ترامب حول المفاوضات الثنائية مع حركة حماس، المدرجة على "لائحة الإرهاب" الأمريكية، ضجة إعلامية وغضبًا إسرائيليًا، خاصة بعد تهديدها للساكن الجديد للبيت الأبيض بـ"العقاب" و"الجحيم" إذا لم يفرج عن الأسرى الإسرائيليين في غزة.

وفي تصريح غير مسبوق تاريخيًا لمسؤول أمريكي، أكد مبعوث الرئيس لشؤون الرهائن، آدم بوهلر، عقد محادثات مع قادة حماس في العاصمة القطرية، واصفًا عناصر الحركة بأنهم "لطيفون"، الأمر الذي أثار غضبًا حكوميًا وبرلمانيًا في (إسرائيل).

وردًّا على الغضب الإسرائيلي بشأن حقيقة مفاوضات حماس - أمريكا، قال بوهلر: "أنا أفهم لماذا الإسرائيليون غاضبون، لكننا في الولايات المتحدة لسنا عملاء لـ(إسرائيل)، ولدينا مصالحنا الخاصة".

في المقابل، أوضح المتحدث باسم حركة حماس، عبد اللطيف القانوع، في بيان، أن المفاوضات التي جرت مع الوسطاء المصريين والقطريين وبوهلر، ارتكزت على إنهاء حرب الإبادة الجماعية، والانسحاب الإسرائيلي من غزة، وعملية إعادة الإعمار.

"وقائع جديدة"

ويرى القيادي الوطني د. حسن خريشة أن لجوء الأمريكيين إلى التفاوض مع حركة حماس ليس أمرًا غريبًا، خاصة بعدما فرضت الحركة وقائع ومتغيرات دولية جديدة عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023.

واستدل خريشة، في حديثه لصحيفة "فلسطين"، بأن الولايات المتحدة تفاوضت تاريخيًا مع "الأطراف القوية" أو "الصامدة" في الميدان، مثل مفاوضاتها مع "الفيتكونغ" بعد الاستعصاء العسكري والخسائر الكبيرة في حرب فيتنام.

ودلل أيضًا على رضوخ الأمريكيين للتفاوض مع حركة طالبان، التي صمدت وقاتلت طوال 20 عامًا في الحرب الأمريكية على أفغانستان.

وقال: "الأمريكيون وترامب يتحدثون مع الأقوياء.. وحماس فرضت نفسها كحركة مقاومة فلسطينية صامدة وقوية في وجه الاحتلال، الذي شن حرب إبادة جماعية على غزة طوال 471 يومًا".

وعن سبب تفاوض الأمريكيين مع حماس بدلًا من السلطة، أجاب النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي بأن "السلطة عزلت نفسها عن حرب غزة وغيرها، والمفاوضات تجري مع الطرف القوي في هذه المعركة التي أحدثت متغيرات دولية".

وفي هذا الإطار، دعا خريشة إلى دمج فصائل المقاومة في منظمة التحرير، وإجراء انتخابات مجلس وطني، تمهيدًا لترتيب البيت الفلسطيني واستثمار إنجازات الشعب ومقاومته.

عدة عوامل

ووفقًا للخبير في الشأن الإسرائيلي، د. محمود يزبك، فإن إدارة ترامب تدرك تمامًا أن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لا يرغب في الدخول بمفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، ما دفعها للالتفاف عليه والتفاوض مع حماس مباشرة.

وأشار يزبك، لـ"فلسطين"، إلى أن هناك عدة عوامل دفعت المبعوث بوهلر للجلوس مع حركة حماس، أهمها توجه عائلات الأسرى الإسرائيليين إلى الرئيس ترامب، بدلًا من حكومتهم، للمطالبة بالتدخل لإنقاذ أبنائهم.

وأوضح أن نتنياهو يدرك أن دخوله في مفاوضات المرحلة الثانية يشكل عليه مخاطر سياسية، لذلك يسعى إلى تمديد المرحلة الأولى التي انتهت في 2 مارس الجاري.

وحول الغضب الإسرائيلي من تلك المحادثات، أوضح يزبك أنها ليست جديدة، وكانت (إسرائيل) على علم بها عبر الوسطاء، "حتى باتت أمرًا واقعًا ومتقدمًا".

ولذلك، وصف المبعوث الأمريكي المفاوضات بـ"المثمرة"، مما أثار قلق نتنياهو وحكومته، خاصة مع تراجع دور (إسرائيل) في عملية التفاوض لصالح الولايات المتحدة.

ووصل مبعوث البيت الأبيض، ستيف ويتكوف، أمس، إلى العاصمة القطرية، في محاولة للدفع نحو اتفاق جديد لإطلاق سراح الأسرى في غزة أو بحث الدخول في المرحلة الثانية من الاتفاق.

وفي هذا السياق، أكد يزبك أن المفاوضات تعكس فرض أجندة أمريكية على حكومة الاحتلال، دون رغبتها، وهو ما يشكل تحولًا كبيرًا في المشهد السياسي، ويضع نتنياهو أمام تحديات غير مسبوقة، خاصة مع محاولاته الهروب من استحقاقات الاتفاق.

أبعاد أخرى

ومن وجهة نظر أستاذ العلاقات الدولية، خليل العناني، فإن إدارة ترامب هي التي سعت إلى فتح قناة اتصال مع حركة حماس، في محاولة للوصول إلى اتفاق للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وخصوصًا أصحاب الجنسيات الأمريكية.

وذكر العناني، في مداخلة مصورة عبر صفحته على "فيسبوك"، أن هذا التحرك جاء بعدما أدرك ترامب أن نتنياهو يحاول استغلال الولايات المتحدة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، وهو أمر يرفضه الرئيس الجديد للبيت الأبيض، خاصة أنه "شخصية تحترم الأقوياء"، وليس لديه "خطوط حمراء" في السياسات الداخلية والخارجية.

وأشار إلى أن نهج ترامب يقوم على مبدأ "أمريكا أولًا"، أي أن المصالح الأمريكية هي الأولوية في اتخاذ القرارات، لكنه في الوقت ذاته لديه تطلعات شخصية من وراء إنهاء الحرب على غزة، وكذلك الحرب الروسية - الأوكرانية، ومن أبرزها: الحصول على جائزة نوبل للسلام.

وخلص إلى أن نتنياهو بات أمام خيارين: إما القبول بشروط ترامب لإنهاء الحرب على غزة، أو مواجهة الإهانة، كما حدث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال لقائه بترامب في البيت الأبيض.

وباعتقاد العناني، فإن "أي مسؤول أمريكي لا يجرؤ على الحوار مع حركة حماس أو إيران"، لكن إدارة ترامب أعادت التواصل مع طهران مجددًا من أجل التفاوض.

وذكر أن اللافت في الأمر هو أن المبعوث الأمريكي لشؤون الرهائن يسعى إلى إنهاء الحرب، وهو أمر أدركه ترامب من خلال محاولات نتنياهو التهرب من الاتفاق، الذي وقع برعاية مصرية وقطرية وأمريكية، ويتضمن ثلاث مراحل.

وعلّق على تصريح بوهلر: "نحن الولايات المتحدة لسنا عملاء لـ(إسرائيل)"، مؤكدًا أن هذا التصريح غير مسبوق لمسؤول أمريكي، مرجحًا أن ترامب يرى أن نتنياهو يبتز الولايات المتحدة.

وعلى أي حال، أكد العناني أن المرحلة الحالية تشكل محطة فارقة في العلاقة بين الإدارة الأمريكية وحركة حماس.

يُذكر أن قضية الأسرى الأمريكيين تشكل دائمًا نقطة حساسة لأي إدارة أمريكية، حيث يسعى الرؤساء الأمريكيون دائمًا لإطلاق سراح أي محتجز أمريكي في أي مكان في العالم.

وفي ظل الغضب الإسرائيلي المتصاعد، لم يستبعد مبعوث ترامب عقد اجتماعات إضافية مع حماس، قائلًا: "المحادثات مفيدة للغاية.. وأعتقد أن جميع المختطفين قد يتم إطلاق سراحهم، وليس الأميركيين فقط".