فلسطين أون لاين

لماذا تدعم ألمانيا "إسرائيل"؟

في يوم الأحد، 7 كانون الأول/ ديسمبر 2025، عقد المستشار الألماني فريدرش ميرتس، الذي كان يزور "إسرائيل"، مؤتمراً صحفياً مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية بارتكابه جرائم حرب في قطاع غزة، أكد خلاله على مكانة "إسرائيل" كحليف استراتيجي موثوق بالنسبة لألمانيا، وقال "جئت كصديق لإسرائيل، ولم نتمكن من اللقاء في فترة أكثر تحديا وتعقيدا، وأنت تعرف أن ألمانيا تقف إلى جانب إسرائيل بإصرار، وخاصة منذ الهجوم الإرهابي الصادم الذي نفذته حركة حماس الإرهابية في 7 أكتوبر العام 2023".

لم يختلف كلام ميرتس عن كلام سلفه أولاف شولتز، الذي زار تل أبيب، في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ليصبح ثاني الزعماء الأوروبين المتجهين إلى "إسرائيل"، في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، بعد رئيس الوزراء الروماني. وكانت رسالته في مؤتمره الصحفي مع نتنياهو حاسمة وواضحة: أمن "إسرائيل" "مصلحة وطنية عليا" لبرلين.

ما قاله ميرتس ومن قبله شولتز ليس جديداً بحال، فهو تكرار باللفظ لما صرحت به المستشارة السابقة أنجيلا ميركل أمام الكنيست في زيارتها التضامنية لـ"إسرائيل" في آذار/ مارس 2008، بأن بقاء "إسرائيل" "مصلحة وطنية عليا" لدولة ألمانيا. ورغم التشابه بين التصريحات، فإن الكثير قد تغير منذ أن تركت ميركل مقعد المستشار في كانون الأول/ ديسمبر 2021.

لا شك أن "التكفير عن محرقة الهولوكوست النازية"، يُعد من أهم العوامل التي أدت إلى تأطير العلاقة واحتلال الكيان الصهيوني مكانة خاصة لدى الساسة والشعب الألماني في الشق الغربي لألمانيا (جمهورية ألمانيا الاتحادية) منذ الانقسام الألماني سنة 1949، وقد ترسخت هذه المكانة لدى دولة ألمانيا الاتحادية الحالية (الموالية للغرب)، التي نشأت نتيجة توحيد دولتي (ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية)؛ بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ومعه جدار برلين الفاصل بين الدولتين عام 1990.

لكن في السنوات الأخيرة بدأت تتبلور لدى الألمان مقاربة جديدة في التعاطي مع الكيان الصهيوني، وهذه المقاربة، تتركز في جوهرها على البعد الأمني العسكري ضمن ما يُسمى بــ"علاقات المصالح المتبادلة"، وقد ترسخت هذه العلاقة مع تغير الواقع الدولي، خصوصاً على الحدود الشرقية لأوروبا، أي مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير 2022، واستشعار برلين، كما عواصم أوروبا الغربية، الخطر الروسي، في ظل ازدياد التوجس من استمرار الغطاء الأمريكي العسكري لـ"حلف شمال الأطلسي"، مع تصاعد الخطاب الأمريكي المطالب بالتخفف من التبعات والالتزامات العسكرية والمالية للحلف، خصوصاً مع عودة الرئيس ترامب للبيت الأبيض وتصاعد تيار ماجا MAGA)) Make America Great Again أي "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا"، والذي يتقاطع مع نطرية “أمريكا أولاً”، التي يتبناها ترامب.

إذن نحن أمام ألمانيا الجديدة التي هي على استعداد لتنحية الاعتبارات الإنسانية وإعطاء متطلبات الأمن القومي الألماني الاعتبار الأول. وقد بدأت تجليات ومعالم هذا التحول الألماني مع انحلال برلين من العقيدة الألمانية التي سادت بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية؛ فالحكومة أعادت النظر في ما كان يُعدّ “خطًا أحمر”: قوة عسكرية كبيرة، وشراء أسلحة متقدمة ودفع موازنات دفاعية ضخمة، وهذا يعني ترك “عقيدة التقشف الدفاعي”، والانتقال نحو “جيش قادر ومستعد". وقد انعكس هذا التحول في العقيدة الأمنية الألمانية من خلال مسارين؛ الأول، إنشاء الحكومة الألمانية صندوقاً خاصاً بقيمة 100 مليار يورو لإعادة تسليح جيشها وتحديث قدراته العسكرية، والثاني، إعلانها إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وهو معيار يُطلب من دول حلف شمال الأطلسي. كا وافق البوندستاغ (البرلمان الألماني) على مشروع قانون جديد لتحديث نظام الخدمة العسكرية وتعزيز عدد القوات من خلال التطوع، الذي يبدأ تطبيقه في مطلع سنة 2026 (بهدف زيادة تعداد الجيش الألماني من 180 ألف جندي، إلى 203 آلاف جندي).

في خضم هذا التحول الاستراتيجي الألماني توجهت الأنظار نحو الكيان الإسرائيلي، كمصدر مفضل لبعض الأسلحة النوعية الإسرائيلية المجربة في حروب قطاع غزة ولبنان وحرب الـ12 ضدّ إيران، فكان توقيع صفقة بين "إسرائيل" وألمانيا في أيلول/ سبتمبر 2023، لبيع نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي بعيد المدى "حيتس 3"، وقد بلغت قيمتها (نحو 3.6 مليار دولار)، لتُعدّ أكبر صفقة أمنية في تاريخ الكيان الإسرائيلي، وقد بدأ يوم الأربعاء في 3 كانون الأول/ ديسمبر 2025 مرحلته التشغيلية الأولى في ألمانيا.

 وقد أشار نتنياهو إلى هذه الصفقة، خلال المؤتمر الصحفي مع ميرتس، حيث أكد أن العلاقات الألمانية الإسرائيلية شهدت «تحولاً تاريخياً» فيما يتعلق بالتعاون في مجال الأسلحة، وأضاف «ألمانيا لا تعمل فقط للدفاع عن إسرائيل، بل إن إسرائيل، الدولة اليهودية، بعد 80 عاماً من المحرقة، تعمل من أجل الدفاع عن ألمانيا».

نتنياهو لم يُخطئ حين قال أن المانيا تدافع عن "إسرائيل"؛ فبرلين تُعد ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى الكيان الإسرائيلي بعد الولايات المتحدة، وأظهرت بيانات معهد "ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" أن ألمانيا وفرت 30% من واردات "إسرائيل" الرئيسية من الأسلحة من عام 2019 حتى 2023 خاصة فيما يتعلق بالمعدات البحرية، ومنها فرقاطات ساعر من الفئة السادسة (فرقاطات ميكو إيه-100) التي استخدمت في حرب غزة. وبعد فترة من حظر ألمانيا تصدير أسلحة لتل أبيب بسبب الحرب على غزة، عادت لترفع القيود على التصدير اعتباراً من 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025.

مما تقدم يتضح مدى تطور العلاقة الاستراتجية المتنامية بين برلين وتل أبيب؛ خصوصاً مع تراجع اعتبار الجانب الالماني لإنعكاس تطور هذه العلاقة على علاقته بالدول العربية في السنوات الأخيرة.

وبذلك رأينا مدى دعم السياسة الخارجية الألمانية لـ"إسرائيل" في المحافل الدولية وتبنيها الخطاب والرواية الصهيونية، بالإضافة إلى تأطير أي نشاط أو خطاب داخل ألمانيا، ينتقد الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، في إطار "معاداة السامية"، كما وسنها القوانين التي تدعم هذا التوجه.

المصدر / فلسطين أون لاين