فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

غزة في مرمى ترامب: تهديدات بالتصعيد أم مناورة تفاوضية

...
غزة في مرمى ترامب: تهديدات بالتصعيد أم مناورة تفاوضية
غزة/ محمد الأيوبي-عبد الله التركماني

تزامنًا مع تعثر مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بسبب تردد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واحتدام الأزمة السياسية والعسكرية داخل الكيان الإسرائيلي، جاءت تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد حركة حماس لتبدد الغموض حول أهدافها الحقيقية.

يثير توقيت هذه التهديدات تساؤلات حول دوافعها: هل هي محاولة للضغط على حماس ودعم حكومة نتنياهو، أم تمهيد لتصعيد عسكري قد يؤدي إلى جولة جديدة من الحرب في غزة؟

هدد ترامب في وقت متأخر من مساء أول من أمس، حركة حماس بقتل جميع عناصرها إن لم تفرج عن الأسرى الإسرائيليين لديها في قطاع غزة، مطالبًا قيادات الحركة بمغادرة القطاع فورًا. ونشر عبر منصته الرسمية بيانًا قال فيه: "على حماس أن تطلق سراح جميع الرهائن فورًا وتعيد الموتى منهم، وإلا فإن أمرها قد انتهى"، مضيفًا أن إدارته "أرسلت لإسرائيل كل ما تحتاجه لإنهاء المهمة ضد حماس".

ردت حركة حماس أمس، مؤكدة أن تهديدات ترامب المتكررة ضد الشعب الفلسطيني تشكل دعمًا لنتنياهو للتنصل من اتفاق وقف إطلاق النار، وتشديد الحصار على قطاع غزة. وجاءت هذه التهديدات بعد تأكيد الولايات المتحدة أنها أجرت اتصالات سرية مباشرة مع حماس، ركزت على الأسرى الأمريكيين في القطاع، في تحول جذري عن سياسة واشنطن التقليدية بعدم التفاوض مع منظمات تصنفها "إرهابية".

ورأى الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد أن تهديدات ترامب تأتي في سياق محاولة لاحتواء الغضب الإسرائيلي بعد المفاوضات السرية التي جمعت مسؤولين أمريكيين بحماس، والتي شكلت سابقة خطيرة في السياسة الأمريكية. وأوضح أبو زيد لـ "فلسطين أون لاين" أن هذه المفاوضات تعتبر اعترافًا ضمنيًا بأن حماس ليست حركة إرهابية، بل حركة تحرر وطني.

وأشار إلى أن تهديدات ترامب الأخيرة، التي وصفها بـ"التحذير الأخير"، تأتي ضمن أدبيات اليمين الصهيوني المتطرف، الذي يحاول الضغط على المقاومة لقبول شروط إسرائيل لتمديد وقف إطلاق النار. كما أكد أن التصريحات الأمريكية والإسرائيلية تعكس مأزقًا سياسيًا مشتركًا، حيث يواجه نتنياهو صعوبات في الخيارات العسكرية والسياسية.

من جهته، حذر الكاتب والمحلل السياسي عادل شديد من جدية تهديدات ترامب، واصفًا إياه بأنه "مجرم يمتلك أكبر قوة عسكرية في العالم"، معتبرًا أنه حليف "أيديولوجي وعضوي" لإسرائيل، ما يجعل تهديداته قابلة للتنفيذ في أي لحظة.

وأوضح شديد أن هذه التهديدات تعكس النهج العدواني للتيار اليميني الأمريكي تجاه الشعب الفلسطيني، معتبرًا أنها ليست مجرد ضغوط تفاوضية، بل توجهًا حقيقيًا يستدعي التعامل معه بجدية.

ورجح شديد عودة التصعيد العسكري إلى غزة في ظل تعثر المفاوضات، مشيرًا إلى أن احتمالات الحرب ترتبط بعوامل مثل مرور عيد الفصح اليهودي وإقرار الميزانية الإسرائيلية، قائلًا: "الحرب قادمة ما لم يُحدث الأمريكيون تغييرًا جذريًا في موقفهم".

من ناحيته، رأى المحلل السياسي وأستاذ الإعلام في جامعة أبو ديس، د. أحمد رفيق عوض، أن التهديدات الأمريكية المتكررة ضد حركة حماس، ليست سوى أداة لصرف الأنظار عن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

وقال عوض لـ "فلسطين أون لاين": "الولايات المتحدة تتبنى سياسة ازدواجية المعايير بشكل صارخ، فهي تدعي دعم القانون الدولي لكنها في الوقت ذاته توفر غطاءً كاملاً للانتهاكات الإسرائيلية، سواء عبر الدعم العسكري المباشر أو من خلال تعطيل أي محاولات دولية لمحاسبة (إسرائيل)".

وأضاف: "دولة الاحتلال هي الطرف الذي خرق اتفاق وقف إطلاق النار، حيث استمرت في عملياتها العسكرية في غزة، وقتلت المدنيين دون رادع، ومع ذلك، لم تُوجه واشنطن أي إدانة لها، بل على العكس، قدمت لها مزيداً من الدعم العسكري، متذرعةً بمحاربة الإرهاب".

ورأى عوض أن الدعم الأمريكي لا يقتصر على التصريحات والتمويل العسكري، بل يتجاوز ذلك إلى تعطيل المسارات القانونية والدبلوماسية التي يمكن أن تحاسب (إسرائيل) على جرائمها.

وأوضح: "عندما فتحت محكمة الجنايات الدولية تحقيقاً في جرائم الاحتلال، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المحكمة نفسها، وهددت قضاتها ومسؤوليها، وهو ما يكشف أن واشنطن لا تدعم العدالة، بل تدعم إفلات إسرائيل من العقاب".

كما أشار عوض إلى أن استخدام أمريكا المتكرر لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع صدور أي قرار بوقف إطلاق النار أو إدانة الجرائم الإسرائيلية هو دليل إضافي على انحيازها المطلق.

ويختم بالقول: "إذا كانت الولايات المتحدة بالفعل تريد تحقيق السلام والاستقرار، فلماذا تمنع العالم من فرض أي قيود على الاحتلال؟ ولماذا تعرقل حتى أبسط الخطوات التي يمكن أن تحمي المدنيين الفلسطينيين؟".

استغلال إسرائيلي

واعتبر الخبير في الشأن الإسرائيلي وديع أبو نصار أن (إسرائيل) تستغل التهديدات الأمريكية ضد حماس كغطاء لمواصلة عدوانها، وعرقلة أي جهود دولية لوقف إطلاق النار أو إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة.

وقال أبو نصار لـ"فلسطين أون لاين": "(إسرائيل) لا تحتاج إلى ذرائع لشن الحروب، لكنها تستفيد بشكل كبير من الدعم الأمريكي غير المشروط. عندما يصدر الرئيس الأمريكي تهديدات لحماس، فإنها تفسر ذلك على أنه تفويض مفتوح لمواصلة عملياتها العسكرية، حتى لو كانت تخترق اتفاق وقف إطلاق النار وتستهدف المدنيين".

وأضاف: "بدلاً من أن تواجه ضغوطاً دولية بسبب انتهاكها لاتفاقيات وقف إطلاق النار، تحصل (إسرائيل) على غطاء سياسي كامل من واشنطن، التي تتجاوز العالم كله وتُفشل أي تحركات في مجلس الأمن أو أي محاولات دولية لإنهاء الحرب وإدخال المساعدات إلى غزة".

وأكد أبو نصار أن الدعم الأمريكي ليس فقط سياسياً، بل يتجسد عملياً في إمداد دولة الاحتلال بالسلاح ومنع أي مساءلة قانونية لها، "الولايات المتحدة لا تمنح (إسرائيل) فقط الضوء الأخضر، بل تزودها بكل الأدوات اللازمة لضرب أي جهود تهدف لإنهاء الحرب. عندما يتحرك المجتمع الدولي باتجاه فرض قيود أو حتى مجرد المطالبة بإدخال المساعدات، تستخدم واشنطن الفيتو لوقف ذلك، ما يمنح إسرائيل الحرية الكاملة لفرض سياساتها بالقوة".

كما أشار إلى أن (إسرائيل) تستخدم هذه التغطية الأمريكية لتهديد الفلسطينيين باستمرار، قائلاً: "كلما ظهر بصيص أمل لوقف إطلاق النار، تخرج دولة الاحتلال بتهديدات باستئناف الحرب، متسلحة بالتصريحات الأمريكية. هذه الاستراتيجية ليست عفوية، بل هي جزء من سياسة مدروسة تهدف إلى إبقاء غزة محاصرة ومحرومة من أي فرصة للحياة الكريمة".

وختم أبو نصار بالقول: "الرسالة واضحة: (إسرائيل) تستطيع أن تضرب بقرارات الشرعية الدولية عرض الحائط، لأنها تعلم أن واشنطن ستتكفل بحمايتها من أي تبعات سياسية أو قانونية".

المصدر / فلسطين أون لاين