للمرة الثالثة تطلب دولة الاحتلال الانضمام إلى الاتحاد الأفريقي والذي يضم بين جنباته 83 دولة بما فيها تركيا وألمانيا والصين، إلا أن أيا من مساعي (إسرائيل) لم يصل إلى مبتغاها، ليكشف السفير الفلسطيني في إثيوبيا ناصر أبو الجيش، عن وجود وفد إسرائيلي يزور إثيوبيا بشكل سري بهدف حصول (تل أبيب) على عضوية مراقب في الاتحاد الإفريقي.
استثمارات المنظمة
ويرى مراقبون أن (إسرائيل) تسعى من خلال هذا الانضمام إلى الخلاص من عزلتها الدولية من جهة، ومن جهةٍ ثانية إيجاد سوق لصناعات الأسلحة الإسرائيلية والتي ترى في القارة السمراء بابا لرواجها، والأهم من هذا وذاك خلاصها من الدعم الإفريقي الواضح للقضية الفلسطينية.
ويضاف إلى ما سبق، تعكير صفو الاستثمارات التي تمتلكها منظمة التحرير في كل من الصومال والسودان؛ وهو ما أكده د. حسن خاطر مدير مركز القدس الدولي في حديثٍ مع صحيفة "فلسطين" عبر الهاتف.
ويعزو خاطر اهتمام "إسرائيل" البالغ بالانضمام للاتحاد الإفريقي إلى رغبتها العارمة في الاندماج بالمنطقة والخروج من حالة العزلة السياسية التي تعيشها، وخاصة في القارة الأفريقية الذي يتخذ اتحادها ودولها مواقف واضحة تدعم القضية الفلسطينية.
وقال:" إن (إسرائيل) تود دخول إفريقيا من أوسع أبوابها؛ وهذا بالنسبة لها حلم كي تكون جزءا معترفا به داخل منظومة الشرق الأوسط"، مشيراً إلى أن احتياجات (إسرائيل) الأمنية تقتضي هذا الانضمام لا سيما وأن أفريقيا ضخمة المساحة والرقابة الدولية عليها ضعيفة،- في إشارة منه لوجود قوى تخشى (إسرائيل) من تناميها- حسب تقديره.
وأشار إلى وجود "عرابين" من رجالات الموساد منتشرين في بعض الدول الأفريقية لعقد صفقات أسلحة مشبوهة، وأنه في حال انضمام (إسرائيل) للاتحاد الأفريقي لن تكون مجبرة على العمل بالخفاء.
وتكتسب زيارة الوفد الإسرائيلي إلى إثيوبيا أهميتها في كونها تأتي قبل انعقاد إحدى أهم القمم التاريخية مطلع العام المقبل، والتي وعد فيها رئيس المفوضية الأفريقية بالقيام بإصلاحات جذرية على مستوى الهيكلة وآليات اتخاذ القرارات وتنفيذها.
أما عن تأثير هذا الانضمام على القضية الفلسطينية، فقال:" إن معقل منظمة التحرير والثورة الفلسطينية كانت ترزح فيها، وحتى اليوم لا تزال هناك استثمارات للمنظمة خاصة في الصومال والسودان".
وتابع: "ترحب أفريقيا بالوجود الفلسطيني؛ ودخول الاحتلال إلى منظومة الاتحاد ما هو إلا محاولة لمحاربة الوجود الفلسطيني وعلى حساب هذا الوجود داخل المنظومة الأفريقية"، معرباً عن قلقه إزاء تطورات الأمور خاصة وأن أيدي (إسرائيل) تغلغلت في العالم العربي تحت ستار التطبيع وها هي تطمح للتطبيع مع محيط أوسع؛ حسب قوله.
وختم حديثه بالقول:" إن المحاولة للانضمام بحد ذاتها خطيرة وتكشف مساعي الاحتلال الإسرائيلي وتطلعاته بعيدة المدى والتي تجاوزت دول الجوار إلى ما هو أبعد منها بكثير".
ويرى مراقبون أن مصر والمغرب والجزائر ونيجيريا ودولاً إسلامية أخرى قد تعارض دخول (إسرائيل) إلى القارة الأفريقية لأنه يضر بمكانتها فيها، بينما عمد ناشطون فلسطينيون إلى تحذير الدول الأفريقية المشاركة في قمة توغو، من إقامة علاقات مع دولة تعتمد نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) في إشارة منهم لـ (إسرائيل).
دعمٌ للاقتصاد الإسرائيلي
يُذكر أنه عقب حرب 1973 (تشرين أول/ أكتوبر)، مع مصر وسورية، عمدَت الدول الأفريقية إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع (إسرائيل) بشكلٍ جماعي، بقرارٍ مُلزم صادر من منظمة الوحدة الأفريقية (تعرف حاليًا بالاتحاد الأفريقي)، حيث قطعت 31 دولة علاقتها معها.
وللخروج من إطار هذه العزلة التي بدأت تتفكك بشكلٍ فردي إثر توقيع مصر و (إسرائيل) على اتفاقية كامب ديفيد للسلام في عام 1978، تسعى (إسرائيل) لتوطيد علاقاتها مع دول القارة السمراء، كبديلٍ عن التراجع الملحوظ في المواقف الأوروبية تجاه ممارسات (إسرائيل) في الأراضي الفلسطينية، وهو ما أكده الناشط السياسي المقدسي ناصر الهدمي.
وقال في حديث لصحيفة "فلسطين":" إن الاحتلال الإسرائيلي بدأ يفقد شرعيته أمام العالم الغربي الذي بدأ أن يتململ حرجاً أمام شعوبه الحرة التي تعي حقيقة الاحتلال وممارساته في الأراضي الفلسطينية، والتي تطالبه برفع الغطاء الدولي عن الاحتلال الإسرائيلي".
وأردف الهدمي قائلاً:" (إسرائيل) تبحث لنفسها عن شرعية بديلة عن الشرعية الأوروبية ، تصوت لصالحه في المحافل الدولية وتحميها من القرارات الدولية المجافية لمصالحه"، لافتاً إلى أن القارة الأفريقية تعتبر كنزاً من الثروات الطبيعية والمعدنية؛ و الاحتلال الإسرائيلي معنيٌ بتقوية علاقته بها كقوة اقتصادية لها المستقبل.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، استؤنفت العلاقات الدبلوماسية بين (إسرائيل) وبعض البلدان الأفريقية، وهي الزائير (الكونغو الديمقراطية حاليًا) في أيار/مايو 1982، وليبيريا في آب/أغسطس 1983، ساحل العاجل في شباط/فبراير 1980، والكاميرون في آب/أغسطس من العام نفسه، وتوغو في يونيو/ حزيران 1987، قبل أن تقع استعادة العلاقات الرسمية، في تسعينيات القرن الماضي، في نحو 40 بلدًا من أفريقيا جنوب الصحراء.
وأوضح أن القارة الأفريقية تزخر بحركات التمرد والتي تحتاج إلى أسلحة، ما يجعلها سوق لترويج الصناعات الإسرائيلية من الأسلحة، مما يدعم الاقتصاد الإسرائيلي ويعطيه مقدرة أكبر على الصمود والمواجهة مع المتغيرات الداخلية وفي المحيط العربي والدولي .
وعن الواجب الفلسطيني والعربي والإسلامي إزاء هذا الإصرار الإسرائيلي؛ يختم الهدمي حديثه بالقول: "يتوجب على الدبلوماسية العربية أن تعي حقيقة الخطط الإسرائيلية؛ وأن تعمل من أجل إجهاضها بكافة السبل دون أي استسلام".
ويُشار إلى أن دولة الاحتلال تمتلك 11 بعثة دبلوماسية في القارة الأفريقية، وتحديدًا في بلدان؛ جنوب أفريقيا، أنغولا، الكاميرون، ساحل العاج، مصر، إثيوبيا، غانا، كينيا، نيجيريا، السنغال وإريتريا، وذلك وفق بيانات الخارجية الإسرائيلية المنشورة على موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت.