تعدّ الساحة الفلسطينية من الساحات النشطة، في العمل الإعلامي سواء كان ذلك في الضفة الغربية، أو قطاع غزة، إضافة إلى المناطق المحتلة عام 1948، الأمر ينطبق أيضًا على الصعيد الإقليمي و العالمي، ولا أدل على ذلك اهتمام كل المنصات الإعلامية بتوظيف إعلاميين لديها من الأرض الفلسطينية.
هذا الزخم وفر مئات المنابر الإعلامية العاملة في الأرض الفلسطينية، سواء من كان منه مكتوبًا أو مرئيًا، إضافة إلى الإلكتروني بأنواعه الحديثة المختلفة أو مسموعًا.
هذا العدد الكبير من المنصات الإعلامية وجد من حيث المرجعيات إلى أشكال مختلفة، أهمها الحزبي وهو الطاغي، الإعلام الرسمي، إضافة إلى الإعلام المدعوم من المؤسسات ذات الأجندات، عدا عن الإعلام التابع لأشخاص ويمكن تقسيمه بين الاقتصادي والرؤوي (أي الذي يتبع رؤية تحريرية تخدم أشخاصًا بعينهم) مع إمكانية وجود بعض المؤسسات المستقلة.
إذ في سياق الحديث عن الاستقلالية، لا يمكن الحديث لدينا عن إعلام مستقل، وإن وجد في بعض المساحات الإعلامية يوجد كإعلامي مستقل، يقترب من الاستقلالية والتبعية بحسب قدرته، وقوته، ومكانته، الأمر الذي أورث عملا صحفيا فلسطينيا، مكبلا، لهذا السبب ولأسباب منها، قبضة السياسي، وتداخل الحالة الفلسطينية، والعلاقات، وتأثير رأس المال، وارتباط الصحافة بالتمويل، وأخيرا قانون الجرائم الإلكترونية، وقبضة الأمن وحضوره، عدا عن كينونة السياسي وتدخلاته.
هذا الواقع أورثنا صورا من التكبيل، بحدود ما وبمساحات مختلفة إذا يمكن تقسيم العمل الصحفي ضمن جملة محاور يمكن توزيعها على الآتي بحسب ملفات التغطية والتأثير عليها:
أولا: الاحتلال وسياساته: من الواضح أن هذا الملف، يبدع فيه الصحفي الفلسطيني، ويمارس دورا مهما في فضح جرائم الاحتلال، ويبني على ذلك عملا مبجلا، وقويا، وبذلك دفع الإعلامي الفلسطيني ثمنا كبيرا جراء ذلك سواء بضرب مؤسسته وسلامته، وحريته.
ثانيا: الساحة السياسية الفلسطينية والأمنية، في هذا الملف، تنوع الأداء الصحفي الفلسطيني، بين صحفي تقليدي يحسب تغطيته بميزان الذهب كي لا يغضب السياسي والأمني، وصحفي متحدٍ، وصحفي مقرب من الأحزاب والحكومة، وبذلك ضعفت المادة الإعلامية النوعية التي تخيف أصحاب السيادة والعطوفة، وعليه، ندرت تحقيقات التطبيع، والحديث عن التنسيق، وفساد السياسيين، وقل الحديث عن الاسترزاق من الأحزاب سواء من أموال السلطة أو المنظمة، وعلاقات السياسي بالإقليم، وباعثها وحجمها، عدا عن ملفات تتعلق بالمستويات العليا، والقوانين، وسلوكهم، إلا إذا كان الصحفي من غزة يتحدث عن الضفة أو العكس، وهذا لا يعني أن هناك مجموعة من الصحفيين قاموا بعمل مهني قوي ورائد.
ثالثا: المساحة الاقتصادية: هذا موضوع مهم، في الساحة الفلسطينية، قلة الذين يخوضون في تفاصيله، وكثيرا ما يقفون عند محاذير السياسة وأثرها في المال وأثر المال فيها، إضافة إلى مؤسسات المال والحديث الناقد لها لاعتبارات مختلفة، إذ يكثر هذا الملف في القضايا المسكوت عنها، سواء ما تعلق بسياسات البنوك والإقراض، وحركة الشركات والعلاقة المفتوحة لبعضها مع الإدارة المدينة، والتحالفات بين رجال المال والسياسي، عدا عن الملفات الأخطر والمتعلقة بالشراكات التطبيعية وغيرها، والامتيازات لبعضها والمشاريع المخصخصة دون حق، إضافة إلى الوكالات الحصرية، والمؤسسات الوهمية.
رابعا: المساحة الاجتماعية والمحلية: هذا الملف رواده كثر، إذ يظل تقييم المؤسسة الإعلامية ذاتها العمل في هذه الملفات، وحاجتها، والعناوين التي وجب العمل عليها، إذ في هذا الإطار برز الكثير من الزملاء متجاوزين المحاذير الناشئة عن الخصوصية، والقبلية، والاشتباك أحيانا بين العادة والإرث.
الحديث في ملف الإعلام، يحتاج إلى الكثير من التفصيل، والشواهد لتعميقه، إذ يتسع هذا الملف لدراسات بحثية محورية مهمة.
لكن ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع دعوتي لسلسلة نشاطات في الأسابيع الماضية، منها حول مدونة السلوك الصحفي، وأخرى تتعلق بعلاقة الصحافة بالأمن، وبعضا يتعلق بسقف الحريات في الأرض الفلسطينية، إضافة إلى مشاركة في عديد الفعاليات المتعلقة بقانون الجرائم الإلكترونية، والدخول في ملف اعتقال الزملاء الصحفيين وحجب المواقع، والاطلاع على بعض القضايا المتعلقة بملاحقة العمل الصحفي.
هذا كله يعطي المتابع مؤشرات خطيرة تتعلق بسقف الحريات ومنهجيات العمل الإعلامي، والقناعة بمكانة الإعلام كسلطة رابعة، الأمر الذي أفقد الحالة الإعلامية الفلسطينية في كثير من الأحيان حضورا قادرا على تعديل مساحات السلوك في مجالات مختلفة.
عند الحديث عن التكبيل، لا بد من التذكير بأن الإعلام الفلسطيني، بألوانه، مقبل على مرحلة تحد غير مسبوقة تتعلق بهجمات الاحتلال عليها، بل وضع سقوف له تحت قانون التحريض، ستحوله في حال نجح الاحتلال الى اعلام لا يرتبط بالحالة الفلسطينية.
السؤال لجهات الاختصاص والحالة الإعلامية نفسها، ماذا نحن فاعلون، وأين تسير بنا آفاق المستقبل؟
الإجابة رهن تكتل وجسم يمكنه فعل الكثير في ظل زحام الحالة الفلسطينية والتي من شأنها ولادة فعل إعلامي لا نظير له.