يبدو أن الدورة الانتخابية الجديدة التي أفضت إلى انتخاب القيادة السياسية لحركة المقاومة الإسلامية حماس بدأت عملها باحترافية عالية على كل المستويات الداخلية والمحلية والخارجية، وبالفعل فإننا نستطيع القول إن حركة حماس تواصل إحراز الأهداف وتجيد التهديف بشكل بارع.
دعونا نستعرض على سبيل المثال لا الحصر في موضوع المصالحة الفلسطينية؛ فقد نجحت الحركة بشكل كبير ومفاجئ في تحقيق أهداف كثيرة كان سر نجاحها الدرجة العالية في التناغم الكبير والواضح بين قادتها في الداخل والخارج والسجون.
السنوار أحدث اختراقًا
فقائد الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار وإخوانه في قيادة الحركة نجحوا في حسم الساحة الداخلية والمحلية والشعبية في غزة فيما يتعلق بتوضيح الرؤية العامة وترسيخ القناعات لدى الأفراد والفصائل الفلسطينية والنخب وعموم الشعب أن حركة حماس فعلا لديها خيار واحد فقط وهو إتمام المصالحة وأنها لن تعود إلى الوراء خطوة واحدة إلى مربع الانقسام.
السنوار شكل اختراقا واضحا في جدار الضبابية والهلامية التي كان يعيشها الشعب الفلسطيني مؤخرا، حيث إنه ومنذ فترة طويلة وهو يعقد اللقاءات المتتالية والمُركّزة مع فئات المجتمع المختلفة على المستوى الداخلي والفصائلي والشعبي والنقابي والنخب والشباب والقائمة مستمرة حيث إن هذه اللقاءات وضعت النقاط الغامقة على الحروف.
هنية يجيد التهديف
أما إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، فإنه يستمر ببراعة هو الآخر في إحراز الأهداف الاستراتيجية على مستوى أبعد من المنظور الداخلي والمحلي، فهو صاحب كاريزما قيادية شعبية ليس فلسطينيا فحسب بل وعلى مستوى الشعوب العربية والإقليمية.
لقد كانت للاتصالات العديدة التي أجراها هنية خلال الفترة الماضية؛ الأهمية البالغة على وقع إتمام المصالحة، وظهر جليا أن حركة حماس حريصة أكثر من أي جهة أخرى على إتمام المصالحة والخروج من مربع الانقسام، وربما سببت صداعا وإحراجا للكثيرين ممن لا يروق لهم إتمام المصالحة ويرغبون في البقاء مكبّلين في مربع الانقسام.
نجح هنية بشكل كبير في مخاطبة دول كبيرة لها مكانتها وعراقتها، وكذلك خاطب ملوكًا ورؤساء وزعماء وأمراء وأصحاب رأي، حيث استطاع الرجل بسمته العميق وببراعة شخصيته الوازنة الذّكية؛ استطاع شرح الآليات الاستراتيجية من إتمام المصالحة الفلسطينية، بل وتمكّن من جلب المواقف الإيجابية الداعمة لمواقف حركة حماس والمساندة لملف إتمام المصالحة وإنهاء حالة الانقسام.
الأذرع المسانِدة
لم يقف الأمر هنا فقط، بل كانت للجهود وللجولات خصوصا التي نفذتها وفود حركة حماس في الخارج أهمية بالغة وحساسة، حيث استطاعت جلب الدعم السياسي وغير السياسي لصالح القضية الفلسطينية وخصوصا لصالح برنامج المقاومة ضد الاحتلال "الإسرائيلي".
عندما نتحدث عن المكتب السياسي والقيادة السياسية لحركة حماس فإننا لا يمكن أن نتغافل الدور الرهيب الذي قامت به الأذرع المسانِدة للحركة في عمليات إيجاد البيئة الدافئة والمناسبة للمرحلة القادمة للحركة، والتي على ما يبدو أنها ستكون مرحلة مختلفة اختلافا كبيرا عن المرحلة الماضية.
تلك الأذرع تمثل اليد الطولى في ترسيخ المفاهيم التي قررت الحركة توصيلها لكل جهة داخلية وخارجية، فوسائل الإعلام التابعة لحركة حماس نجحت باقتدار في إدارة دفة الظروف الراهنة حيث برعت في الترويج للرؤية الإيجابية للحركة، ومارست بكفاءة عالية الهجوم الذكي لصالح المصالحة وإنهاء الانقسام، بل وقطعت الطريق على الكثير من المواقف التي كانت كفيلة بتدمير المصالحة تماما، وكذلك الأجهزة الميدانية والخارجية التابعة للحركة كان لها هي الأخرى دور مهم وكبير في العزف على نفس السمفونية والتغريد في ذات الاتجاه الإيجابي واللافت للانتباه صراحة.
تجنّب المؤثرات والتشويش
باعتقادي أن حركة حماس صرفت نظرها تماما عن إدارة الأمور الحياتية المعيشية المتعلقة بالمواطن الفلسطيني وتركت _سياسيًا_ حجم وثقل المسؤوليات في هذا الاتجاه بشكل صريح وواضح، واستطاعت أن تلقي بعقبات كبيرة كانت تُمثل لها صخورًا ضخمةً في وجهها، واستطاعت أن تلقي بها في البحر، من أجل التفرغ لقضايا مهمة وكبيرة تحتاج فعلا إلى جهودٍ مُكثّفة وتركيزٍ أكثر بعيدا عن المؤثرات الجانبية وعناصر التشويش.
دعوني أطرح تساؤلات مهمة يمكن من خلال الإجابة عنها معرفة ما إذا كانت فعلا حققت حركة حماس اختراقات داخلية وخارجية كما أزعم؛ أين كان موقف المواطن الفلسطيني وعموم الشعب الفلسطيني من حركة حماس وأين أصبح؟ وأين كانت المواقف المصرية من حركة حماس وأين أصبحت؟ وكيف عادت المياه إلى مجاريها فيما يتعلق بالعلاقة مع الدول الداعمة للقضية الفلسطينية وللمقاومة تحديدا وعلى رأسها إيران؟ ومن منّا لا يؤمن بأن دولا أخرى لا تلتمس عذرا لحركة حماس حينما شرعت في سياستها الجديدة وطريقة تفكيرها في إدارة الصراع مع الاحتلال؟
طريق أسرع
ربما قراءتي المتواضعة حول الأحداث المتسارعة على الساحة المحلية والعربية والإقليمية، جعلتني أستنتج أن حركة حماس خلال الفترة القريبة الماضية استطاعت امتلاك مهارة فن التهديف وإحراز النقاط ببراعة، بل وبتفوق، وإن كان هذا الكلام لا يعجب _مرحليًا_ الكثيرين من المخلصين والمحبين لحماس ولمقاومتها ولنهجها الحر وهذا حرصٌ منهم وحقٌ لهم يُقدّرون عليه ويثابون.
باعتقادي أن هذه المرحلة وعلى الرغم ممن يعدّ أن حركة حماس قدمت "تنازلات" كبيرة؛ إلا أنني أؤمن بأنها وصلت فعلًا إلى طريقٍ ستحقق أهدافها بشكل أسرع، وبعيدًا عن المُنغّصات والكوابح السابقة، وبعيدًا أيضًا عن أية أوهام أو اتهامات تذهب بالبعض أنها قدمت "تنازلات" إستراتيجية بخصوص أهدافها الكبيرة التي تسعى لتحقيقها منذ تأسيسها وانطلاقتها.