محمد الضيف، قائد أركان المقاومة، ومصدر فخرها، الرقم الأول والمطلوب الأول للاحتلال منذ عقود، يرتقي إلى العلياء تاركا إرثه والذي طالما كان كابوسا للاحتلال ومستوطنيه وجيشه.
وأعلن الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة استشهاد قائد هيئة أركان القسام محمد الضيف، وعدد من القادة البارزين، خلال معركة "طوفان الأقصى".
بزغ نور الضيف واسمه الحقيقي محمد دياب المصري في 12 آب/ أغسطس عام 1965، في مخيم خان يونس للاجئين الفلسطينيين، جنوبي قطاع غزة، وسمي بالضيف لأنه "لا يستقر في مكان".
عاشَ حياة اللجوء بين أزقة المخيم، فكبر على معاناة التهجير التي عاشتها عائلته بعيدًا عن قريته "القبيبة".
عُرف بذكائه الكبير منذ طفولته، وبأنه شخصية هادئة يحب مساعدة الآخرين واحترام الكبير، كثير العمل والعطاء.
اقرأ أيضا: محمد الضيف.. ملهم الأجيال الفلسطينية وشبحٌ يطارد الاحتلال
كانت أشهر محاولات اغتيال محمد الضيف في أواخر سبتمبر/ أيلول 2002، ووقتها اعترف قادة الاحتلال بأنه نجا بأعجوبة عندما قصفت المروحيات سيارة في حي الشيخ رضوان بغزة.
ومنذ توليه قيادة كتائب القسام عام 2002 بعد اغتيال الاحتلال لقائدها العام الشهيد صلاح شحادة، شغل الضيف صاحب الكلمات المعدودة الرأي العام لدى دولة الاحتلال، ووسائل إعلامها وقادة جيشها، وهم يحاولون قراءة الشخصية التي أنهكت جيش الاحتلال، الذي لم يستطع الوصول إليه خلال عقدين، رغم تعرضه لخمس محاولات اغتيال.
أصابت الدهشة في كثير من التصريحات العديد من مسؤولي جهاز "الشاباك" من قدرة الضيف على النجاة، بعضهم وصفه بأنه "بسبعة أرواح"، وينضم الباحث في معهد دراسات الأمن القومي يوحنان زورف إلى أولئك الذين عجزوا عن النيل منه، ووقفوا احترامًا لعظمة شخصيته، فقال: "هو رجل له ألف روح، أوضح لأعدائه أنهم ليسوا الأقوى في العالم.
جيش قسامي
صنع بجهاده وتضحياته ملاحم عظيمة، وأسس جيشًا قساميًا يمضي تحت قيادته نحو التحرير، وتوحدت بكلماته ساحات الوطن، وانتقلت المقاومة لمرحلة متقدمة في الصراع مع العدو.
برز دور الضيف بعد اغتيال عماد عقل الذي برز اسمه في سلسلة "عمليات فدائية" في نوفمبر من عام 1993، حيث أوكِلت إليه قيادة "كتائب القسام".
خلال هذه الفترة، استطاع الضيف أن يخطط وينفذ عدة عمليات نوعية، وكذلك تمكن من الوصول إلى الضفة الغربية وتشكيل العديد من "الخلايا الفدائية" هناك، والمشاركة في تنفيذ عدة "عمليات فدائية" في مدينة الخليل والعودة إلى قطاع غزة.
لعب محمد الضيف دورا كبيرا في التخطيط لعملية خطف الجندي الإسرائيلي نخشون فاكسمان عام 1994 في بلدة بير نبالا قرب القدس والذي قتِل وخاطفيه بعد كشف مكانهم.
بندقية فاكسمان
وظهر الضيف وهو يحمل بندقية وبطاقة هوية فاكسمان التي هربت من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، حيث كان ملثما بالكوفية الحمراء.
ومع اشتداد الخناق على المطلوبين لـ(إسرائيل) في قطاع غزة، رفض الضيف طلبا بمغادرة قطاع غزة خشية اعتقاله أو اغتياله، لا سيما في ظل سياسة قصف المنازل التي يعتقد أن بها أيا من المطلوبين، وقال كلمة مشهورة آنذاك: "نحن خلقنا لمقاومة الاحتلال إما أن ننتصر أو نستشهد"، وذلك على الرغم من موافقة عدد من زملائه على الخروج من القطاع.
تمكن الضيف من أن يؤمن وصول المهندس يحيى عياش، أحد خبراء المتفجرات في الضفة الغربية إلى قطاع غزة بعد تضييق الخناق عليه في الضفة الغربية، وللاستفادة من خبرته في صناعة المتفجرات، حيث تم اغتياله بواسطة هاتف مفخخ مطلع عام 1996.
وقف الضيف وراء عمليات الثأر لعياش، من خلال إرسال حسن سلامة إلى الضفة الغربية للإشراف عليها، حيث قتل في هذه "العمليات الفدائية" حوالي ستين إسرائيليا.
انتفاضة الأقصى
لاحقا، بدأ بالاستعداد لتنفيذ المزيد من العمليات حتى اندلعت انتفاضة الأقصى في سبتمبر من عام 2000.
ومع إفراج الاحتلال عن الشيخ صلاح شحادة عام 2001، سلّم الضيف الشيخ شحادة قيادة الجهاز العسكري، حيث كلف شحادة الضيف بالمسؤولية عن الصناعات العسكرية للكتائب.
أطل محمد الضيف في السابع من أكتوبر 2023، ليعلن انطلاق معركة "طوفان الأقصى" التي أشرف عليها وحضر في ميدانها حتى قتل فيها، فيما كانت اطلالته الأخيرة قبيل عملية "طوفان الأقصى" من خلال فيديو بينما كان يوقع القرار المتعلق بالبدء بالمعركة في 7 أكتوبر.
رحل الضيف ولم يرحل إرثه النضالي، والذي سيبقى مرا على الاحتلال وملهما للأجيال الفلسطينية على مدار السنوات القادمة.