في عالم الكلمة الصَّادقة، وفي ميدان الصِّحافة الحرَّة الَّتي تعكس آلام الشَّعب وتطلُّعاته، برز الصَّحفيُّ الشَّهيد محمَّد التَّلمُّس كقلم شجاع لا يعرف التَّراجع، وصوَّت صادق لا يخشى مواجهة الحقيقة. حمل أمانة الإعلام على عاتقه بكلِّ شرف ومسؤوليَّة، فكان نموذجًا للوفاء للوطن، والإصرار على إيصال صوت المظلومين رغم أهوال الحرب ودمارها.
محمَّد التَّلمُّس، لم يكن مجرَّد صحفيّ ينقل الأخبار، بل كان عينا ترصُّد المعاناة، وقلبًا ينبض بحبِّ الوطن، وعقلاً يوثِّق بصدق واقع شعبه تحت وطأة الحرب، حتَّى ارتقى شهيدًا، ليصبح رمزًا للإعلام المقاوم، ومرآة تعكس صمود شعبه في وجه الظُّلم والاحتلال.
استشهد المحرِّر الصَّحفيُّ بوكالة "صفًّا" للأنباء، محمَّد بشير التَّلمُّس (40 عامًا) ، صباح أمس، متأثِّرًا بإصابته جرَّاء استهداف طائرات الاحتلال الإسرائيليِّ مجموعةً من المدنيِّين بالقرب من صالة الشُّروق في حيِّ الشَّيخ رضوان بمدينة غزَّة. وخضع التَّلمُّس لعمليَّة جراحيَّة طارئة في منطقة البطن في محاولة لإنقاذ حياته، لكنَّ الأطبَّاء أعلنوا لاحقًا عن استشهاده.
وُلد الشهيد التلمس في مدينة غزة في 28 مارس 1985، وتلقى تعليمه الأساسي في مدارس المدينة، وحصل على شهادة الثانوية العامة من مدرسة شهداء الشاطئ. ثم تخرج من الجامعة الإسلامية بغزة عام 2007 حاصلاً على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام. ومنذ تخرجه، عمل مع عدة وسائل إعلامية محلية، أبرزها الشبكة الإعلامية الفلسطينية، التي تحولت لاحقًا إلى وكالة "صفا" للأنباء عام 2009، وظل فيها حتى لحظة استشهاده.
على مدار 18 عامًا من العمل الصحفي، قدم التلمس إسهامات كبيرة من خلال مئات التقارير التي سلطت الضوء على القضايا السياسية والاجتماعية الفلسطينية، وكشفت جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني. كانت تقاريره تعكس صمود الفلسطينيين في وجه الظلم، ليبقى صوته صدى لمعاناة شعبه ومرآةً لحقيقته.
وأدانت وكالة "صفا" بشدة استشهاد التلمس، مؤكدة أن قوات الاحتلال تتعمّد استهداف الصحفيين الفلسطينيين كجزء من جرائمها المستمرة بحق الشعب الفلسطيني. ودعت الوكالة إلى محاسبة القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين على جرائمهم، خاصة في ظل ما وصفته بأكبر مجزرة بحق الصحفيين في العصر الحديث.
تلقى أصدقاء وزملاء الشهيد نبأ استشهاده بصدمة وألم عميقين. كتب الصحفي تامر قشطة على فيسبوك: "بكل الحزن والأسى، أنعى الصديق محمد التلمس (أبو أحمد)، الذي كان مثالًا للتفاني في العمل الصحفي. كان ينقل الحقيقة بلا خوف من البطش أو الظلم، واستشهد وهو يؤدي واجبه في نقل معاناة شعبنا، تاركًا وراءه إرثًا من المهنية والنضال".
كما كتب عماد عيسى: "لا حول ولا قوة إلا بالله.. الحبيب والقلب الطيب والإنسان الرائع: محمد التلمس شهيد.. الله يرحمك يا غالي ويصبر أحبابك وأهلك على فراقك". وأضاف وائل إياد: "رحم الله الزميل الطيب محمد التلمس، لقد فجعنا بأصحابنا بما فيه الكفاية".
وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي أمس ارتفاع عدد الشهداء الصَّحفيين إلى (204 صحفيين) منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، بعد الإعلان عن استشهاد الصحفي التلمس.