فلسطين أون لاين

"وسيلةُ النَّقل الوحيدة في زمن الحرب"

عربات الحمير تُعيد غزة إلى عصر ما قبل السَّيارات

...
خان يونس/ مريم الشوبكي

وقفت سلمى النجار على جانب الطريق، تحمل طفلتها البالغة من العمر ستة أشهر، بينما تمسك طفلتها الأخرى بطرف ثوبها، خوفًا من الضياع وسط الزحام الشديد. بعد انتظار طويل دون أن تجد سيارة أجرة، استسلمت سلمى وركبت مرغمة على عربة يجرها حمار، أو ما يعرف محليًا بـ"الكارة"، والتي أصبحت الوسيلة "الرسمية" للتنقل في قطاع غزة منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية، والتي أدت إلى توقف إدخال الوقود وتعطيل معظم وسائل النقل التقليدية.

تتجنب النجار، النازحة من شرق خان يونس، ركوب "الكارة" قدر الإمكان خوفًا على أطفالها، الذين سقطوا أكثر من مرة من فوق العربة. كما أن الحوادث المتكررة بين عربات الكارو المزدحمة تؤدي في كثير من الأحيان إلى إصابات خطيرة، خاصة في الأرجل. تقول سلمى لـ"فلسطين": "عندما أضطر إلى الخروج، أكبر همومي هي وسيلة المواصلات. لا خيار أمامي إلا عربات الكارو، حتى أبسط مشوار يستغرق الآن ثلاث ساعات، بينما كان لا يتجاوز الساعة قبل الحرب".

وتضيف: "الكارة غير مريحة، وكدت أنكسر قدمي في إحدى المرات عندما حشرت بين عربتين بسبب الازدحام، ولم أستطع تحريرها إلا بمساعدة الركاب".

يعمل سامر كحيل، النازح من شمال غزة، سائقًا لعربة يجرها حمار، متنقلًا بين مواصي خان يونس ودير البلح وسط القطاع. يقول كحيل: "بصعوبة بالغة وجدت عملاً على هذه العربة بعد أن توقفت سيارتي عن العمل بسبب نقص الوقود وتدمير الاحتلال للعديد من المركبات. اضطررت لاستخدام الزيت النباتي كبديل للسولار".

ويوضح: "الازدحام الشديد يعيق حركتي ويطيل المسافات، مما يضطرني إلى زيادة عدد الركاب وحمل البضائع على سطح العربة، رغم أنني أعلم أن ذلك يقصر من عمرها، ولكن ليس لدي خيار آخر".

كان كحيل يعمل سائقًا قبل الحرب، ويجوب القطاع من شماله إلى جنوبه في أقل من ساعة. أما اليوم، فهو يتمنى أن يرى والده الذي بقي في غزة ولم ينزح، حيث يمنع الاحتلال التنقل بين شمال القطاع وجنوبه عبر حاجز نيتساريم.

وفقًا لتقديرات وزارة النقل والمواصلات، تجاوزت خسائر قطاع النقل في غزة 3 مليارات دولار نتيجة الحرب الإسرائيلية، حيث شملت الأضرار البنية التحتية ومركبات المواطنين.

ودمرت قوات الاحتلال نحو 55 ألف مركبة، أي ما يعادل 60% من المركبات المرخصة في القطاع. بالإضافة إلى ذلك، أشار مكتب الإعلام الحكومي إلى أن الاحتلال دمّر 2,835,000 متر طولي من شبكات الطرق والشوارع خلال 450 يومًا من الحرب. ومع توقف هذا القطاع الحيوي، أصبح تنقل سكان غزة يقتصر على حالات الضرورة القصوى، حيث حلّت وسائل بدائية مثل المشي وركوب الدراجات الهوائية وعربات الكارو محل السيارات التي باتت أمنية صعبة المنال.

زيد زعرب، النازح من رفح، اشترى عربة يجرها حصان خلال الحرب، حيث كان ينقل عليها جالونات الماء وبعض البضائع، قبل أن يتحول إلى نقل النازحين بين المناطق. اليوم، يعمل زعرب في مواصي خان يونس، متنقلًا بين المنتزه الإقليمي وجامعة الأقصى. يقول زعرب، الذي كان يعمل مزارعًا قبل نزوحه: "فقدت عملي واضطررت لشراء عربة لنقل الركاب. البعض يعتقد أنني أجني الكثير من المال لأن العربة لا تحتاج إلى وقود، ولكن كيلو العلف ارتفع من 3 شواقل إلى 40 شيقلاً، والحصان يحتاج إلى نحو 200 شيقلاً يوميًا للعلف". ويضيف: "أحيانًا أعمل دون ربح، فقط لأوفر العلف للحصان حتى يبقى على قيد الحياة وأستفيد منه في تنقلاتي".

المصدر / فلسطين أون لاين