مرتان بشكل أسبوعي تحمل أم إبراهيم أبو بنات طفلها زياد (14 عامًا) تارة على ظهرها وأخرى بين يديها، قاطعة مسافة تقدر بـ 3 كيلو مترًا، وصولًا لمجمع الشفاء الطبي لإجراء عملية غسيل كلوي.
ومنذ أن كان "زياد" في عامه الأول، اكتشف الأطباء إصابته بمرض السرطان، ومنذ ذلك الحين بدأت رحلة طويلة من الألم والمعاناة، وأجريت له العديد من العمليات لاستئصال الورم في مستشفيات الداخل المحتل.
بعد عدة عمليات والقول لأم إبراهيم، لاستئصال الورم بات ابني يعتمد على نصف كلية لتبقيه على الحياة، وبسبب الحرب وعدم الوصول لمستشفيات الداخل المحتل لإجراء الفحوصات الطبية اللازمة تدهورت حالته الصحية وأجريت له العديد من العمليات الجراحية لاستئصال الورم ولعدم توفر العلاج اللازم اضطر إلى إجراء عملية الغسل الكلى، وهو الآن يخضع لجلسات الغسيل منذ أربعة أشهر.
نزوح قسري
نزح "زياد" وعائلته من مدينة بيت لاهيا إلى غزة، حيث تحوّل منزله إلى ذكرى بعيدة تحت قصف الحرب، ومع تدهور حالته الصحية، أصبحت الرحلة إلى المستشفى أكثر تعقيداً، إذ تقطع والدته التي تعاني من ظروف صعبة، مسافة تبلغ ثلاثة كيلومترات، مرتين في الأسبوع وهي تحمل ابنها زياد على كتفيه، حيث لا تملك المال الكافي لدفع تكاليف المواصلات التي ارتفعت بشكل جنوني في ظل الحرب الضروس على قطاع غزة.
وتقول والدة الطفل، وهي تختزن في عينيها دموع الفراق والألم: "كنت أملك الكثير من الأحلام لابني، لكن الحرب سرقت منا كل شيء فلم أعد أستطيع توفير العلاج اللازم له، والأدوية التي يحتاجها وهي ليست متوفرة بسبب الحصار والحرب ومنع الاحتلال إدخالها القطاع".
ومع اعتقال زوجته وابنه الأكبر إبراهيم (22 عاماً) على يد جيش الاحتلال "الإسرائيلي" الذي يحاصر مخيم جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون وتهجير سكانها، فقدت الأم المكلومة من يساعدها في نقل "زياد" إلى المستشفى، ما زاد الأعباء على كاهلها، وأصبحت تحمل هموم عائلتها المكونة من ثلاثة بنات وولد، فتوفر لهم الطعام والشراب والحطب وتنقل ابنها إلى المستشفى.
وتستذكر أبو بنات، الأيام التي قضتها تحت وطأة القصف في مستشفى كمال عدوان شمال مدينة غزة وهي تجلس بجوار ابنها المريض، قبل أن تنزح وأسرتها إلى مدينة غزة، بعد أن انهالت صواريخ وقذائف الاحتلال عليهم.
وتلفت إلى أنها قطعت مسافة طويلة وهي تحمل ابنها على ظهرها وتحرس بناتها، لكن ذلك لم يثنِ عزيمتها عن الاستمرار في الكفاح من أجل حماية ابنها "زياد" .
وتقول الأم والدموع تناثرت من عينيها: "كلما رأيت ابني يتألم، أشعر بأن قلبي يتقطع، أريد أن أراه يلعب مثل باقي الأطفال، لكن الظروف تحاصره من كل جانب فمرضه بالسرطان والفشل الكلوي من جهة والحرب المستمرة على القطاع من جهة أخرى."
وتتابع: في ظل غياب العلاج المناسب، أصبح "زياد" يعتمد على الأمل والدعاء. ويقول زياد الموصلة بذراعة أنابيب لإجراء الغسيل الكلوي، بصوت منخفض: "أريد أن أتعلم، أن أكون طبيباً في المستقبل، لكنني أحتاج الآن إلى المساعدة".
كثبان رملية
ويُعاني الطفل "زياد" من صعوبة في التنفس، وآلام حادة في الكلى، ويحتاج إلى جلسات غسيل متكررة للحفاظ على حياته، لكن وبسبب الظروف التي يعيشها سكان القطاع في ظل الحرب يضطر الطفل لإجراء جلستين للغسيل الكلوي بشكل أسبوعي بدلًا من ثلاث جلسات بسبب عدم توفر الوقود الكافي لتشغيل جميع الأجهزة ولتعطل وحرق الأخرى من قبل جيش الاحتلال الذي عاث في المستشفى فسادًا مرتين على التوالي.
وبالعودة إلى أم إبراهيم، التي تقول: أعمل ألف حساب عندما أصل المستشفى فعليّ قطع مسافة طويلة بين الكثبان الرملية وأكوام الركام قبل الوصول إلى قسم الغسيل الكلوي، مردفةً "وفي بعض الأحيان أسقط أنا وابني على الأرض بسبب الركام المتناثرة والدار الذي يملأ المكان".
وتدعو عائلة أبو بنات، العالم العربي والإسلامي إلى الوقوف بجانب سكان قطاع غزة، مؤكدة على ضرورة توفير احتياجات المرضى في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها، قائلة: "إننا بحاجة ماسة إلى مساعدة من الجميع، لنستطيع أن نعود إلى الحياة الطبيعية، ولنستطيع أن نحلم من جديد".
قصّة زياد أبو بنات، تجسد المعاناة اليومية التي يعيشها الكثير من الأطفال في غزة، الذين يُحرمون من أبسط حقوقهم في الحياة والصحة.