لم تتوقف المساعي الإسرائيلية لتحقيق وقف إطلاق نار في لبنان دون غزة، وظلت هذه الأمنية تراود مخيلة القيادة الإسرائيلية منذ الثامن من أكتوبر، التاريخ الذي بدأ فيه حزب الله مشاغلة الإسرائيليين، وخوض حرب استنزاف دعماً لغزة، وظلت المساعي الإسرائيلية والجهد ينصب على وقف إطلاق النار في لبنان دون غزة طوال الوقت، ولهذا تكثفت زيارات عاموس هوكشتاين إلى لبنان على مدار سنة كاملة، وكثرت لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين لهذا الغرض، وقد يكون المسؤول الأمريكي قد عرض إغراءات على القيادة اللبنانية في حالة موافقة حزب الله على وقف إطلاق النار في لبنان دون غزة، وقد يكون عاموس هوكستاين قد نقل الوعيد بتدمير لبنان في حالة رفض وقف أطلاق النار على الجبهة اللبنانية، ورغم كل ذلك؛ ظل موقف حزب الله ثابتاً، وراسخاً في هذه الشأن، وظل القرار: لا وقف لإطلاق النار في لبنان دون غزة.
أكثر من أربعين يوماً عبرت على التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان، أكثر من أربعين يوماً، نرج عن بيوتهم أكثر من مليون لبناني، وارتقى شهيداً أكثر من ثلاثة ألاف لبناني، وجرح أكثر من عشرة آلاف، وقصفت الضاحية الجنوبية في بيروت بأحدث الصواريخ الأمريكية، وحاول جيش العدو الإسرائيلي التقدم في الجنوب اللبناني، وتحقيق أي شكل من الانتصار، يمكّنه من التفاوض لوقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية من موقع القوة، ليظل جواب حزب الله، ورغم ما لحق به من أضرار في بداية العدوان الإسرائيلي، ظل ثابتاً على موقفه، وقف أإطلاق النار على غزة شرط لوقف إطلاق النار في لبنان.
في الأيام الأخيرة، ومع تصاعد ضربات حزب الله، حتى وصلت إلى جنوب تل أبيب، ومع عجز الجيش الإسرائيلي عن التصدي لها، وعجزه عن تحقيق أقل انتصار في ميدان المواجهة على الأرض الجنوب، ومع تصاعد ضربات المقاومة العراقية، وضربات أبطال اليمن العربي، تعالت وتيرة الخوف والفشل داخل المجتمع الإسرائيلي، لتتعالى في الوقت نفسه الخرافات الإسرائيلية عن قرب التوصل لوقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية، وأن المباحثات بين الطرفين قد وصلت إلى نقطة حاسمة، وأن المبعوث الأمريكي في طريقة إلى لبنان، في رسائل إسرائيلية مطمئنة للمجتمع الإسرائيلي، ومشككة بقدرات حزب الله، ولاسيما بعد الادعاء الإسرائيلي بأن مهمة الجيش الإسرائيلي في الجنوب اللبناني قد أوشكت على الانتهاء، وأن حزب الله وصل إلى حافة الانهيار والضعف، وأن الجيش الإسرائيلي قد حقق أهدافه في لبنان.
كل تلك الأوهام الإسرائيلية عن وقف إطلاق النار في لبنان دون غزة، وكل تلك الحملة الإعلامية التي تناولتها معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية، لم يعرها حزب الله انتباهاً، ولم يلتفت إليها، ولم يصدر عن حزب الله أي بيان تكذيب أو تصديق لما يشاع، وظل حزب الله يقظاً سياسياً بمستوى يقظة قواته في الميدان، وظل واثقاً من قراره، بان لا وقف لإطلاق النار في لبنان دون غزة، فأصل المواجهة كانت غزة، وأصل التصعيد مع العدو الإسرائيلي كان معركة طوفان الأقصى، وظل شرط عودة النازحين الصهاينة إلى بيوتهم في شمال فلسطين مرتبطاً بوقف إطلاق النار في غزة، وخلال أكثر من سنة من المواجهات، لم يتزحزح حزب الله يد أنملة عن هذا الربط الاستراتيجي بين غزة ولبنان، والذي يندرج تحت عنوان وحدة الساحات.
قيادة حزب الله أعلنت عن وحدة المصير بين غزة ولبنان بشكل واضح وجلي، وقيادة حزب الله تدرك جيداً، أن أي وقف لإطلاق النار في لبنان دون غزة يعني الانتصار الكامل للجيش الإسرائيلي، ويعني نجاح نتانياهو وحكومته اليمينية في فرض شروطهم على حزب الله وكل لبنان، وفي خلاصهم من التهديد المباشر لقواتهم ومستوطناتهم في الشمال، ولذا، فالقيادة الإسرائيلية مستعدة وجاهزة لتقديم الكثير من التنازلات على جبهة الشمال، والكثير من الإغراءات السياسية والاقتصادية للبنا، بهدف الفصل بين الساحات، وهذه لعبة استراتيجية نجحت بها إسرائيل سنة 1973 حين توصلت إلى اتفاقية وقف النار على الجبهة الجنوبية، لتشكل ضغطا ًاستثنائياً على الجبهة الشمالية، في سياسية إسرائيلية أمست معروفة لكل من يتابع الصراع العربي الإسرائيلي.
حزب الله أكثر وعياً وانتماء ومصداقية من كل الدعاية الإسرائيلية عن قرب التوصل لصفقة وقف إطلاق النار في لبنان دون قطاع غزة، وحزب الله لن يقدم نصراً رخيصاً للصهاينة، ولاسيما بعد كل هذه التضحيات والأثمان التي دفعها لبنان، وقدمها حزب الله، وعلى رأس هذه التضحيات، قيادة الجزب، وأمينها العام السيد حسن نصر الله، صاحب نظرية الكيان الصهيوني أوهي من بيت العنكبوت، وهذا ما جسدته عملياً معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، وهذا ما لملم شمل العرب في جبهة واحدة تمتد من لبنان وغزة واليمن والعراق، وحتى أبعد من ذلك، وهم يخوضون على قلب رجل واحد حرب الأمة كلها، ضد أعداء الأمة.