فلسطين أون لاين

الشَّهيدة الصَّحفية بارود.. حين اشْتعَل قلبُها شوقًا لأشقائها فرحلتْ وراءهم

...
غزة/ فاطمة حمدان

سكن الحزن قلب الصحفية حنين بارود منذ بداية الحرب "الإسرائيلية" على غزة حيث فقدت أشقائها الأربع الذكور تباعاً، في حين تجهل العائلة مصير والدها حتى اللحظة ولا يعلمون إن كان أسيرًا أم شهيدًا، تجرعت بارود مرارة الصبر وحاولت الاستعلاء على جراحها كي تخفف من لوعة قلب والدتها لكنها لم تكن تعلم أنها ستكون هي الأخرى جرحًا جديدًا لقلب أمها الذي لن تبرأ جراحه أبدا. 

فقدان العائلة 

بدأت معاناة الشهيدة بارود بحسب مقربين منها منذ بداية الحرب "الإسرائيلية" على غزة حين استشهد شقيقها الأكبر محمد وهو يحاول إنقاذ مصابين استهدفهم الاحتلال، ثم تبعه بعد فترة وجيزة استشهاد شقيقها مالك - الذي كان " اليد اليمنى" لوالده في عمله الإغاثي من خلال " لجنة طوارئ الشاطيء" ـ إثر استهداف مباشر له برفقة عدد من زملائه. 

ولم تكد الأسرة تبدأ في استيعاب حقيقة فقد ابنيها الأكبر حتى سارعها القدر باستشهاد الشقيقين الأصغر مؤمن وأحمد أثناء ادائهما لصلاة الظهر في " المسجد الابيض" بمخيم الشاطيء إثر استهداف الاحتلال له بشكل مباشر في مجزرة أسفرت عن استشهاد اثنين وعشرين  من المصلين. 

ولم تتوقف المآسي التي حلّت بالأسرة عند هذا الحد بل ظل مصير الوالد مجهولا حتى اللحظة حيث اختفت اثاره أثناء قيامه بعمله الإغاثي ولم يعرف حتى الآن ما إذا كان شهيدًا أو أسيرًا، حاولت الشهيدة حنين برغم كل ذلك أن تتعالى على جراحها حفاظًا على مشاعر والدتها التي أرهق قلبها.

تقول صديقتها ديما عادية:" حينما تواصلت معها للتعزية باستشهاد أشقائها كان ردها " اللي بستشهد برتاح"، مضيفةً :"وفعلا هي حنين لحقتهم وارتاحت من الجوع والخوف". 

صدمة كبيرة 

كان خبر استشهاد الصحفية بارود صادمًا للمقربين منها فهي إنسانة مجتهدة نشيطة مثابرة متعاونة مع الكل مخلصة في عملها ودائماً سباقة للخير- كما تبين عايدية-  "قلبها أبيض نقي طيبة وحسنة الخلق بشوشة ودائمة الابتسام كل الصفات النقية اجتمعت بحنين ربنا اختارها واصطفاها للشهادة من طيبة قلبها". 

وتميزت بارود باجتهادها في عملها حتى لقبت بسفيرة القدس حيث كانت تتولي الجانب الإعلامي الخاص بالمدينة المحتلة في عملها، ورغم الظروف الصعبة التي مرت بها خلال الحرب الا أنها صممت على استكمال الحصول على درجة الدكتوراة في الإعلام حيث كانت في الخطوات الأخيرة للحصول عليها برغم كل الصعوبات ومعاناتها من الجوع والخوف إثر صمودها في مدينة غزة. 

وقد أثقل فقدان بارود قلب صديقتها المقربة الصحفية إسراء العرعير التي كانت تعد الأيام والليالي لكي تجتمع مجددا بها حيث لم تلتق بها منذ بداية الحرب بسبب تواجدها في جنوب القطاع. فكانتا رغم ضغوط العمل أنهما دائمتا التزاور والخروج سويًا، " كانت تحب عملها كثيرا لدرجة أنها حولت من تخصص التحاليل الطبية للإعلام وارتقت سريعاً في درجات السلم الإعلامي حيث أنها تميزت بتفانيها واجتهادها ومثابرتها". 

وتضيف:" تميزت في مجال التصوير الفوتوغرافي والفيديوهات خاصة في مسيرات العودة حيث كانت تعمل بكل حب وتحدثني عن شوقها الكبير لبلدتها التي هجرت منها عام ١٩٤٨ " بيت داراس"". 

ورغم ثقل المآسي التي توالت عليها منذ بداية الحرب بفقد والدها وأشقائها إلا أنها كانت صابرة ومحتسبة وظلت مواصلة لعملها الإعلامي لنقل قصص الشهداء، " لقد كانت صدمتي كبيرة باستشهادها، فلم أكن أتوقع أن تصبح هي الخبر بعد أن كانت تنقله". 

وتتابع:" لقد أصيبت حنين سابقًا خلال عملها الإعلامي، وخلال الحرب الحالية تحملت فقدان البيت والعائلة والأصدقاء، والجوع والعطش والتشرد أثناء صمودها في مدينة غزة حتى لحظاتها الأخيرة ". 

ولم توقف أي ظروف رغم صعوبتها عن عملها الصحفي، تقول العرعير:" كنا نطلب منها أخذ الحيطة والحذر لكنها كانت تقول " العمر واحد" فلم يثنها أي شيء عن التميز في عملها الصحفي حيث لم تتوقف يومًا عن تطوير نفسها في كل مجالاته حتى أصبحت مدربة الصاعدين في هذا المجال". 

وكانت العرعير بسبب خوفها على صديقتها تنصحها بأن تتوقف عن العمل خشية أن تتعرض لأي استهداف فكانت ترفض ذلك بشدة وتصمم على أداء رسالتها رغم كل الظروف، " فقد فقدت زوجي وأشقائي وكثير من صديقاتي في هذه الحرب فكنت أحاول ألا تتعرض حنين لأي أذى كي نلتقي مجددًا بعد الحرب، ونسهب في الفضفضة عما يعتمل بداخل قلوبنا من ألم لكنها رحلت قبل أن أحظى برؤيتها مجددا وهي صامدة وعلى رأس عملها رغم الألم والجوع والعطش".