فلسطين أون لاين

الحرب تسرقُ الطّفولة وتزجّ بأطفال غزّة للعمل في الأسواق

...
دير البلح – عبد الله يونس

تفاقمت ظاهرة عمالة الأطفال في قطاع غزة بشكل ملحوظ خلال الحرب "الإسرائيلية" التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023، حيث دفع الدمار الاقتصادي والنزوح القسري آلاف الأسر إلى الاعتماد على أطفالها لتأمين الاحتياجات الأساسية.

مع فقدان العديد من الأسر لمصادر دخلها الرئيسية بسبب الحرب، اضطر الأطفال للانخراط في أعمال بسيطة، مثل بيع المواد الغذائية والحلوى في الأسواق المحلية أو العتالة، لدعم أسرهم. هذه الظاهرة تمثل أزمة اجتماعية واقتصادية عميقة، حيث تهدد مستقبل الأطفال وتزيد من تفاقم الفقر والبطالة في القطاع.

وتقف الطفلة هالة محمود (12 عامًا) على ناصية سوق دير البلح في وسط قطاع غزة، تنادي بأعلى صوتها "علبة التونة بأربعة شواكل وعلبة الفول بثلاثة شواكل"، لكن وسط ضجيج السوق والعربات وأصوات البائعين، يكاد صوتها يصل إلى آذان المارة.

بعد اندلاع الحرب "الإسرائيلية" على قطاع غزة تغيرت حياة هالة بشكل جذري، بعد أن أصبح والدها، الذي كان يعمل سائق سيارة أجرة، عاطلاً عن العمل. تقول هالة لموقع "فلسطين أون لاين": "قررت مساعدة والدي ببيع ما لا نحتاجه من مواد غذائية نستلمها من مدرسة الوكالة التي نزحنا إليها". وتضيف: "نبيع ما لا يلزمنا لنشتري ما نحتاجه، خاصة مع قرب فصل الشتاء".

تتذكر هالة حياتها قبل الحرب وتقول: "كنا نعيش في شقة مستقلة، وكنت أستعد لمبارزة شعرية أمام زميلتي في المدرسة، ولكن كل ذلك بات من الماضي. منزلنا تدمر، ورأيت صور الدبابات الإسرائيلية داخل مدرستي. الآن، أبيع الفول والسردين والجبنة للمارة".

حال هالة ليس استثناءً، فالكثير من الأطفال أصبحوا جزءًا من سوق العمل بعدما تسببت الحرب في فقدان أسرهم لمصادر رزقها، ما دفعهم للعمل لمساعدة أهاليهم.

الطفل سامي عوض، الذي نزح مع عائلته من بلدة جباليا إلى دير البلح، يعمل في بيع الحلوى والمصاصة بسوق المدينة.

يقول سامي، وهو في الصف الخامس الابتدائي لـ"فلسطين أون لاين": "كان والدي يعمل مزارعًا، لكن الحرب دمرت مزارعنا. بعد أن فقد والدي عمله، أمرني بالعمل في بيع الحلوى". وي

يضيف سامي بفخر: "أشتري علبة المصاص بـ42 شيكلًا وأبيع القطع، محققًا ربحًا صغيرًا".

في نهاية اليوم، يذهب سامي لشراء المواد الغذائية من أطفال آخرين مثل هالة، ليسد حاجات عائلته المكونة من 8 أفراد، حيث يقول: "ما توزعه مدارس الوكالة لا يكفينا".

الأطفال هم الضحية الأكبر في هذه الحرب، حيث أشارت منظمة اليونيسف إلى أن نصف أطفال القطاع باتوا نازحين، ويعاني مليون طفل من انعدام الأمن الغذائي.

ويرى الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر أن تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال في غزة نتيجة مباشرة للأوضاع الاقتصادية المتدهورة بفعل الحرب المستمرة.

ويوضح أبو قمر خلال حديثه مع "فلسطين أون لاين" أن هذه الظاهرة ناتجة عن عدة عوامل متداخلة أبرزها: فقدان الأسر لمصادر دخلها الرئيسية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية، مما يدفع الأسر النازحة إلى الاعتماد على العمل المبكر لأطفالها كحل مؤقت لتأمين الاحتياجات الأساسية.

وفقًا لأبو قمر، أنه وفي ظل غياب شبكات الأمان الاجتماعي الكافية وندرة فرص العمل البديلة، يلجأ الآباء إلى إشراك أطفالهم في سوق العمل، سواء من خلال بيع السلع البسيطة أو العمل في الأسواق المحلية.

وأشار إلى أن دخول الأطفال إلى سوق العمل يسهم مؤقتًا في توفير جزء من احتياجات الأسرة المالية، لكنه يؤكد أن هذا الحل قصير الأمد له تأثيرات سلبية على المدى البعيد.

وأضاف أبو قمر: "دفع الأطفال للعمل يؤدي إلى زيادة الاعتماد على دخل غير مستدام بدلاً من السعي لحلول اقتصادية طويلة الأجل. وبذلك، يصبح الأطفال مصدرًا رئيسيًا لدخل الأسرة، ما يعزز من بقاء الأسر في دائرة الفقر وعدم قدرتها على النهوض الاقتصادي".

وأوضح أن عمالة الأطفال تهدد مستقبلهم بشكل كبير، خاصة في ظل غياب النظام التعليمي المستقر. فالأطفال الذين يُجبرون على ترك التعليم والالتحاق بسوق العمل يعانون من نقص المهارات التعليمية والمهنية، مما يحد من فرصهم المستقبلية في الحصول على وظائف لائقة وتحقيق تنمية شخصية.